قرية صغيرة تنزف

منذ ستينات القرن الماضي حتى هذه اللحظة أصبح العالم قرية أكثر صِغراً. في أوائل ذلك العقد تنبأ الكندي البروفيسور مارشال ماكلوهن بتأثير وسائل الإعلام في واقعنا، وهكذا ظهر مصطلح «القرية العالمية». وسائل الإعلام الآن أكثر قوة وتغلغلاً، والقدرة على تلقي المعلومات من الأفراد صارت أكثر سهولة وسرعة.
ما يحدث في طرف قصي من هذه القرية الصغيرة يصل صداه وأثره إلى أطرافها الأخرى، وكلما كان هذا الحدث عنيفاً ودموياً أحدث أثراً مماثلاً، إما سريعاً أو ينمو ببطء، لينفجر بعدها. والهوس بالقتل الجماعي صار سمة لعالم لا يديره حكماء ولا حتى عقلاء، بل انتهازيون، من سياسيين تدفعهم الأطماع للسيطرة إما بالقوة أو بالاحتيال الاقتصادي، والهدف الكبير لهذه القوى هو الاستئثار بالموارد والهيمنة، لذلك يجري فعل كل ما يمكن فعله تحت مبدأ «الغاية تبرر الوسيلة»!
تصدير العنف والإرهاب تم ويتم بالسياسة والاقتصاد، القوة العسكرية ليست إلا وجهاً من وجوه متعددة، وتحت مبدأ «حقوق الإنسان» و«الأقليات» و«حرية التجارة» يمكن الترويج لكثير من «السلع» المدمرة، من السياسية إلى الترفيهية، ولم يعد الإرهاب مرتبطاً بسيارة مفخخة ولا انتحاري مراهق بحزام ناسف، بل تعدى ذلك إلى استخدام كل الممكن، من شاحنة مدنية إلى فأس وسكاكين، ولم تعد هناك حاجة إلى الخلايا النائمة مع توافر الخلايا المريضة. والتحطيم والتهجير الذي تتعرض له بلدان عربية يكاد يفجّر العالم، لكن العالم يديره الجشع الرأسمالي، من شركات صنع الأسلحة إلى القوى المالية المتحكمة فيه، لذلك هو بعيد عن الإحساس بخطر سيصل مداه إليه.
ولأنها قرية صغيرة يسكنها عنف القوي والخبيث، لم يعد هناك مكان آمن، وأصبحت الخلايا المريضة قنابل موقوتة، يمكن استخدامها عن بُعد، لتفجير هذا المجتمع أو ذاك، والإخضاع هو الهدف، لتأتي بعده مرحلة الجلوس إلى الطاولات، لتوقيع صكوك التكبيل بالديون.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.