أنظمة وشعوب

كانت الهوة كبيرة بين الأنظمة والشعوب في العالم العربي قبل ما سُمي بـ «الربيع العربي». ولزمن طويل ساهم عدم تطابق الأولويات في اتساع هذه الهوة، وكانت بمثابة السماد الذي خصّب الأرض العربية. نقطة ضعف من ضمن نقاط كثيرة أنهكت الجســد العــربي وجعلته نهباً للمطامع والفساد ومساحة للابتزاز، وهي – تلك الهوة – واحدة من الأسباب الرئيسية لظهور الربيع الذي تحوّل لاحقاً إلى نار متأججة، أحرقت الأخضر واليابس.
في المحصلة لم يأتِ الربيع العربي بخير للعرب شعوباً وأنظمة، والنتائج أمامنا أرض محروقة وشعوب محطمة، والناجي منها مهاجر تائه يتسول قبولاً من دولة أخرى ما زال يحكمها النظام ويسودها الأمن والحقوق، ولو بعضاً منها، هذا هو الواقع للأسف.
وكان من المؤمل به أول ما ظهرت سحب «الربيع» المنذرة، وبدأت قطرات أمطارها في الهطول، أن تحدث يقظة وصحوة لدى الأنظمة العربية قبل غيرها، يقظة في الاتجاه الصحيح، فالشعوب التي تململت وخرجت قالت كلمتها وعبّرت عن سخطها وأعلنت تطلعاتها، وكرة النار التي تدحرجت من تونس وصل لهيبها إلى مصر وليبيا، ثم إلى اليمن وسورية، هذه الكرة الحارقة كانت نذيراً يراه الأعمى ويسمعه الأصم، كانت منحة تحولت إلى محنة!
«الحريق» العربي ليس سبباً بل نتيجة، وهذه حقيقة لم يتم التعامل معها. والفهم المتأخر لا قيمة له، واللاعبون في حطام الربيع العربي وما تبعه من تداعياته المزلزلة أصبحوا أكثرية متنوعة من الإقليمي إلى الدولي، يختلفون على القسمة ويشتركون في حلف إثخان الجسد، فالوضع أخطر بمراحل، والهوة بدلاً من ردمها تزداد اتساعاً، ومكمن العلة في الفهم.
إعلان رئيس تونس الهارب بن علي فهمه لمطالب الشعب لم يحقق فائدة له، لأنه جاء متأخراً، وصرخة القذافي المعبرة بخضوع واستسلام عن فهمه لخروج شعبه عليه جاءت بعد فوات الأوان، مع فقدانه أصلاً الصدقية.
وعلى رغم هذه الدروس الملطخة بالدماء والخسائر ما زال الفهم قابلاً للتأجيل، مغرياً لشراء الوقت، مع بقاء صدى صوت القذافي المقتول يتردد حاضراً بقوة في عبارته الشهيرة: «من أنتم؟»!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.