ذلك الإحساس

تستطيع سبر فكر المؤسسة الرسمية من ردود فعلها على بعض القضايا، وكلما كانت هذه القضايا حساسة كانت عينة الاختبار أكثر دقة؛ لمعرفة جوهر هذا الفكر.
والإحساس الذي قصدته بالعنوان هو الإحساس بالمسؤولية، التي وإن كان يحدها مادياً سور المنشأة الرسمية، فإنها، معنوياً ومجتمعياً وأخلاقياً، تتعداه إلى ما يعرف اصطلاحاً بـ«روح المسؤولية»، ربما يعلق أحد الظرفاء «المتشائلين» قائلاً: أعطنا جسد المسؤولية، ثم سنبحث معك عن روحها.
لنقرأ خبراً نشرته صحيفة المدينة قبل أيام عن مصادرها التي قالت «إنَّ جهةً أمنيَّةً تمكَّنت من القبض على طبيبٍ سعوديٍّ يعملُ في مستشفى حكوميٍّ بالمدينة، على خلفيَّة اتِّهامه بابتزاز ممرِّضات سعوديَّات، وتكوين علاقة غير شرعيَّة معهنَّ، إضافة إلى تكوين علاقات مع مريضات يتردَّدن على عيادته.
وكان عددٌ من الممرضات تقدَّمن ببلاغٍ ضدَّ تهديدات وابتزاز الطبيب لإحدى الجهات الرسميَّة ببلاغٍ رسميٍّ. وأوضح المصدرُ أنَّه تمَّ التعامل مع البلاغ، والتأكُّد من صحة أقوال الممرِّضات، والتثبُّت من قيام الطبيب بابتزازهنَّ مقابل تسليم أنفسهنَّ».
في الخبر تعليق من الشؤون الصحية بالمدينة على القضية، نصه كالآتي: «من جهتها، أكدت الشؤون الصحية أن الطبيب المتهم تم القبض عليه خارج المستشفى، بصفته مواطناً وليس طبيباً يمثل المنشأة التي يعمل بها. وقالت، رداً على استفسار «المدينة»: إن الطبيب منقطع عن العمل بسبب توقيفه، ولم تردنا تفاصيل إضافية عن القضية».
نأت الشؤون الصحية في المدينة المنورة بنفسها عن القضية، مع أن المتهم أحد منسوبيها، وضحايا الابتزاز إما من موظفاتها وإما مراجعات لمستشفى تشرف عليه ويعمل به!
لا أعرف ماذا ستفعل وزارة الصحة، مادام هذا رد الشؤون الصحية، التي هي يدها التي «تصلح» بها، وعينها التي ترى وتتفحص من خلالها في المنطقة.
لكنها على كل حال مطالبة – أي الوزارة – بالنبش في ملفات الشؤون الصحية بالمدينة وإدارة المستشفى، الذي يعمل فيه المتهم، عن بلاغات وشكاوى سابقة ضد هذا الطبيب أو غيره، فإن لم تجد شيئاً تلجأ إلى الخطة «ب»، إذ يمكن للوزارة أن تسأل وتستفسر من ضحايا الابتزاز – وبعضهن من موظفاتها – هل حاولن الشكوى إلى إدارة المستشفى والشؤون الصحية، قبل اللجوء إلى بلاغ رسمي إلى جهة أمنية؟ وماذا كانت النتيجة؟ إذا طبقت وزارة الصحة ذلك أمكن القول إن هناك اهتماماً وإحساساً حقيقياً بالمسؤولية، فالواضح أن الشؤون الصحية بالمدينة، بحسب ما نشرته الصحيفة، ليس لها علاقة إلا بالمباني.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.