شهوة الكلام

ربما تكون واحداً ممن أراد قول كلمة أو طرح رأي في جمع أو اجتماع ولم يستطع؛ لأن آخر أو آخرين استأثروا بالحديث حتى ضاق الوقت وغفا مدير الجلسة عن إدارتها بحزم، وتمنع نفسك من المقاطعة أو رفع الصوت، لأن هذا ليس من أدب الحوار والنقاش، ولكي لا يتحول إلى لغط!
وهناك أناس يصرون على الاستئثار، مهما كان عدد المجتمعين كبيراً ومهما كان ترتيب جمعهم ليس سهلاً، مثل هؤلاء لا يرون في المجتمعين إلا آذانهم، فهي بظنه أوعية لا بد من ملئها، وينتظرون إشارات إعجاب من عيونهم، والاجتماع أصل للحوار، وهو لا بد أن يكون بين أطراف لا طرف واحد، فهي ليست محاضرة ولا ورقة تلقى لمن حضروا للاستماع، لكن المصاب بشهوة الكلام لا يحسن إمساك اللجام، فهو لا يريد أن يستمع بقدر ما يريد أن يقول، حتى ولو كان قوله مكروراً ولا جديد فيه إلا صداه عنده.
يقول المتحدث: «ما أطيل عليكم!»، «وما لكم بالطويلة»، لكنه لا يترك طريقاً طويلاً للكلام إلا وسلكه ويستأذن في رواية حكاية ويسردها من دون أن يؤذن له، وحينما يروي الحكاية يتشعب في التفصيل بظروف بطلها، على رغم أنه لا حاجة إلى ذلك، فالبطل ليس هو سبب سرد الحكاية، لكنها شهوة الكلام، لنعلم قسراً أن بطل الحكاية متزوج من فلانة، التي يعمل والدها في المنصب الفلاني، ولديه مزرعة فيها نخلة مصابة بالسوسة الحمراء!
كم من اجتماع لم يصل إلى هدفه بسبب استئثار شهوة الكلام بالوقت، لينحرف عن مساره الطبيعي في استخلاص نتائج مفيدة، لكنه كتب في جدول الإنتاج أنه تم إنجازه!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.