مستنقع الجثث

عشرات بل مئات من الجثث المجهولة الهوية التي يعثر عليها في العراق يومياً، أصبحت من الأخبار العادية التي لا تحرك ساكناً، جثث لشباب معصوبي الأعين مكبلين، تم إطلاق النار على رؤوسهم من الخلف أو الأمام لا فرق، أما العمليات الانتحارية فارتفعت بحيث تجاوزت أرقام ضحاياها العشرات لتصل إلى المئات، التهمة تُلقى دائماً على “الإرهابيين”، منذ بداية الأحداث المأسوية في البلد العربي المنكوب، والحكومة المنصّبة من المحتل تعلن يومياً عن القبض على عشرات الإرهابيين! بلا شك أن حاصل الجمع سيصل إلى عشرات الألوف من دون مبالغة، إلا أن الأعمال “الإرهابية” تزداد! أما العمليات المشتركة بين القوات الأميركية والعراقية، فإن لها ضحايا آخرين تهمش أعدادهم غالباً. لا يمكن معرفة ما يحصده الموت يومياً في العراق، لأن هناك حرباً إعلامية وتشويشاً تشارك فيه حكومة المالكي.
هذا هو وضع العراق بعد سنوات من “التحرير والديموقراطية” على يد القوات الأميركية البريطانية وزمرة من المعارضين السياسيين العراقيين. وإذا قرأت نتفاً من مذكرات رئيس الاستخبارات الأميركية جورج تينيت خلال الفترة العصيبة” 1997-2004″، يبدو لك الخلل واضحاً، إذ قامت مجموعة صغيرة من المسؤولين في الحكومة الأميركية باختطاف القرار وتحريك الآلة العسكرية الضخمة تجاه العراق، كانت براميل النفط تختبئ داخل غلاف شفاف لامع من الديموقراطية والتحرر من الدكتاتور، الغلاف الشفاف حاول البعض تجميله والتستر عليه عن عمد أو “عن نفط”! لم يكن لإنسان العراق المهدد بالانقراض حالياً قيمة تذكر لا لدى المحتلين ولا المروجين.
عند صدور مذكرات “تينيت” انزعج حاكم العراق السابق بول بريمر فكتب مقالاً نشر في “الواشنطن بوست”، تحت عنوان “لست مسؤولاً عن نزيف الدم في العراق”، حيث برر قراراته خصوصاً تسريح الجيش العراقي، مشيراً إلى أنه كان ينفذ صياغة “البنتاغون”، كأنه يقول لست وحدي المسؤول، ونقلاً عن موقع المركز الدولي لدراسات أميركا والغرب هذا جزء مهم مما كتب، قال بريمر: “ولابد لي أن أقر بأنني قد تعبتُ بسبب استهدافي بالنقد كما لو كنت “كيساً للتدرب على الملاكمة” ينهال عليه الجميع بالضرب بسبب مسؤوليتي عن “تفكيك البعث” و “حل الجيش”. وأكثر من ينتقدونني هم من الذين لم يخدموا في العراق”… انتهى.
الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها القوات الأميركية والبريطانية وأعوانها في العراق مستمرة، وإذا كان “ضمير” بريمر لم يتأثر سوى من لكمات بعض زملائه، فإن ضمير العرب مُثقل بالمآسي والدماء. على الحقوقيين العرب واجب كبير أن يعدوا العدة ويرفعوا أصواتهم، ولا يلتفتوا لقرارات اتخذها المحتل بعدم تجريم جنوده ومسؤوليه. الدم العربي رخيص هذا واقع، إلا أن الصمت سيجعله أكثر رخصاً.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.