“مين اللي دفع؟”

في العادة يتفاخر البعض أفراداً كانوا أو حكومات وزعامات عندما يدفعون، مع عدم اهتمام بطريقة الدفع نقداً كان أو بشيكات، هذه هي العادة إلا في قضية أطفال ليبيا المساكين المصابين بفيروس نقص المناعة، كل طرف يقول انه لم يدفع شيئاً وان الآخر هو من دفع! من الواضح أن الدفع في هذه القضية كان عيباً كبيراً، لذلك تنصل منه الجميع، المواطن العربي تعود انه آخر من يعلم، ولن يضيره أن تزداد الأخبار خبراً جديداً لا يعلم حقيقته وخفاياه، فهو أيضاً لا يعلم أن حكوماته تدفع في قضايا أخرى أو دفعت، فوق الطاولة أو من تحتها، هو مجرد “نفر” من جملة إحصائية السكان.
ثم انظر إلى الاسم الذي أطلق على هذه القضية في وسائل الإعلام، انها قضية “الممرضات البلغاريات” وليست قضية الأطفال الليبيين المصابين بالإيدز، ربما يعطيك هذا مؤشراً على الأولية في هذه القضية.
من الصعب معرفة الخفايا وحقيقة مسؤولية حقن ممرضات بلغاريات أطفالاً ليبيين بفيروس الإيدز، سجل الحكومة الليبية ومغامراتها لا يبعث حرارة في عروق قوميتك العربية لتنبري للدفاع عمّا تقول، خصوصاً وأنت تعلم أحوال مواطنيها مع زعيمها، إلا أن الاتحاد الأوروبي، أيضاً، ليس من جنس الملائكة، انه الاتحاد نفسه الذي رفع عقيرته بالصوت العالي عندما حاول المسلمون إبداء موقف بسيط في مقاطعة المنتجات الدنماركية داخل أسواقهم الوطنية! فواصل مبعوثه رحلاته المكوكية واستطاع أن يثني منظمة المؤتمر الإسلامي عن تصعيدها لقضية الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية، فكانت النتيجة صفراً مكعباً للمسلمين، تسلمته أمانة المنظمة الموقرة، نتيجة التفريط في تصعيد القضية ومحاولة استصدار قرار أممي يجرم التعرض للرسول عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.
ضاع الأطفال العرب من الجنسية الليبية في مسلسل “مين اللي دفع”، ومثلهم يضيع أطفال آخرون في مسلسل “من اللي قتل؟”، القضية تقدم دليلاً جديداً على رخص الدم العربي عند الغرب بسبب سعره الرخيص لدى حكوماته، وفيها بيان آخر على مكاييل حقوق الإنسان، مكيال صغير مخصص للعرب لا تستنكر حكوماتهم استخدامه… شريطة عدم الإعلان عنه، ومكيال كبير لدماء الغرب في بورصة الدم الدولية.
من داخل غصة الألم على الأطفال وحقوقهم استل الطرافة، الحكومة الليبية التي خاصمت العرب وأعطتهم ظهرها وبدأت في تشييد الولايات المتحدة الأفريقية تطالب العرب الآن بمقاطعة بلغاريا، ولا أحد يعرف “من اللي دفع؟”.
لن يعلن أحد أنه دفع لأطفال مصابين بالإيدز حتى لا يعتقد انه أصيب بالعدوى.. هذا إن تم الدفع حقاً!

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.