لم نعد نشكو من سوء الخدمات بل من استمرار تدهورها. وتأتي الطامة عندما يتم التستر والتهاون في المواجهة، ليصبحا سياسة ثابتة مستندة إلى الصمت وتشكيل لجان بلا حس ولا خبر، فلا يجد المتابع هدفاً لها سوى امتصاص النقمة موقتاً، ولا يعقل أن نسمي وزارة الصحة وزارة الوفيات مثلاً أو الأخطاء الطبية، مثلما لا يعقل أن نحور اسم هيئة الغذاء إلى هيئة البلاء، لكن الواقع لا يشير إلى تقدم، نحن نعود غالباً إلى المربع الصفري الأول، والمشكلة الأساسية إدارية صرفة، وهي الدليل الدامغ على أن توافر المال وحده لا يكفي بل لا بد من حسن توظيفه وإدارته، ففي حالة وزارة الصحة قضايا كثر آخرها قضية وفاة الطفلة سمية بخطأ طبي فادح. لم تحرك الوزارة ساكناً. ومن الشواهد أنها لو تحركت فإنه تحركه محدود لن يغير في الواقع المتدهور، وأصل البلاء هو تحول الأطباء إلى إداريين في القطاع الصحي العام، وتحويلهم إلى تجار في القطاع الطبي الخاص. ومكان الطبيب هو العيادة، حتى لو رأى نفسه اكبر منها، اللهم إلا في حالات استثنائية نادرة لا يصح أن تصبح هي الصفة الغالبة، مثلما هو حاصل في الإدارة الصحية بالسعودية. والإدارة تخصص وموهبة، ليس لها علاقة حتمية بصفة الدكتور، سواء كانت تطلق على طبيب يحمل البكالوريوس أو على بروفيسور كان يدرّس في الجامعة. وفي المجتمعات المتحضرة تغير حوادث مثل حادثة الطفلة سمية قوانين وأنظمة وتعيد غربلة أجهزة حكومية وربما يصدر بسببها نظام صارم يسمى “قانون سمية”. تكرار حوادث الأخطاء الطبية يشير إلى أن الجهة المعنية لم تستفد منها، وليس أمامنا من تفسير إلا كون معظم من يشرف على تلك الجهة ليسوا إلا أطباء، لا يستطيعون التعامل بحيادية وصرامة مع قضية طبيب أخطأ وأدى خطأه الفادح إلى وفاة طفلة في عمر الزهور، كأنني اسمع صوت الطفلة سمية التي تقبع جثتها في ثلاجة الموتى تصرخ، وهي اليتيمة الأب مطالبة بحقها وبحق أطفال وكبار لن يستغرب أن يقعوا ضحية لطبيب آخر، ومن امن العقوبة تعود الإهمال، وإذا كانت العقوبة ضعيفة كما “قد” يحدث، مثل التسفير أو الغرامة البسيطة، فإنها تصبح عادة يمكن لمن يقترفها التصرف معها، بحسب الأنظمة الضعيفة أصلاً!
ما سبق قتل كتابة من دون فائدة تذكر، لكنني انطلق إلى الأمام وأسأل سماحة المفتي وهيئة كبار العلماء في السعودية، يا أصحاب الفضيلة المشايخ لقد ارتفعت أسعار كل شيء تقريباً منذ زمن بعيد وتواصل الارتفاع الجنوني، إلا “دية الإنسان”! بقيت على قيمتها السابقة فهل في هذا عدل بحق من كرمه خالقه جلّ وعلا؟
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط