وهي صفة تشخيصية لواقع عمل عدد من الجهات الحكومية السعودية المعنية بمتابعة شؤون الناس والمسؤولة عن صحتهم وسلامتهم وتوفير حاجاتهم وضمان أموالهم وحقوقهم.
تقوم “الدورانية” على أساس التعامل الخفي كلما أمكن ذلك ولآخر لحظة، يتم هذا بالدوران حول جوهر القضية من أبعد نقطة ممكنة، وحتى عندما تضطر الظروف وضغوط الرأي العام والإعلام – على ضعفها – هذه الجهات للخروج إلى العلن والتعليق، فإنها تستمر في المحافظة على موقع بعيد من أصل ولب القضية المطروحة بالجملة. عايشنا ذلك في كارثة الأسهم التي أصابت اكبر عدد من أفراد المجتمع، ونعايشها الآن في ظل ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية، وطائفة متعددة من السلع الرئيسية الأخرى، أما إذا أردنا الدخول إلى التجزئة فإن الشواهد كثيرة، ولأن ذاكرة البشر مزدحمة، فإن الطازج الآن هو “فضيحة الفستق”، وهي تستدعي للذاكرة فضيحة الحلاوة الطحينية، والمعجون الذي لم يمنع إلا بعد منعه في أميركا! هو واقع يكشف ما يُظَنُّ أنه مستور بأسلوب عمل أطلقت عليه “الدورانية”. وقاصمة الظهر أن الجهات التي أوكل إليها وليُّ الأمر حماية المواطنين هي التي تضع تلك الحماية في دائرة “السري”، فلا تحدد ماهية الخطر، ومن أين أتى، لتطالب بالحماية منه، بل تغلفه بالسرية عن المعنيين به، والسؤال: إذاً هي على أرض الواقع ومن خلال هذه القضايا… تحمي من؟ وهل تقوم بواجباتها عندما تطبق نظرية “الدورانية”؟
ومن العجيب ما وصلت إليه وأنا أقلب الفكر في “الدورانية”، إذ ظهر لي أنها تتقاطع مع “الداروينية” نسبة إلى العالم داروين صاحب كتاب أصل الأجناس، ومخترع نظرية أن الإنسان تطوّر من القرد.
والتقاطع، الذي يجب أن تحفظ حقوق استنتاجه للمُوقَّع أدناه، أن النظريتين تتفقان في دونية قيمة الإنسان الذي كرّمه الخالق عز وجل، صحيح أن “الدورانية” لم تصل إلى مستوى ما جاء به داروين، لكنها تتعامل مع الإنسان على أنه قاصر، ولا تتوقع أنه وصل لمرحلة النضج، فتستمر في الدوران العبثي حول القضايا والابتعاد عن إيجاد الحلول الفعلية أو حتى العمل عليها، متحصنة بمبدأ التستّر أو “السري” كلما أمكن ذلك. والقول الشائع في التعليق على مثل هذه القضايا إنها “مبالغات صحافية”، و”كلام جرائد”، و”حب للإثارة والبلبلة”، الخ… كأنها بهذا تشابه الطائرات الحربية التي تقذف بأجسام حرارية تجذب ما يطلق عليها من صواريخ، لتنفجر بعيداً فتواصل القيام بمهماتها. وعلى رغم أن “الداروينية” نسبة إلى داروين قد قُتَلِتْ نقداً، خصوصاً من المفكرين والوعاظ في بلادنا، إلا أن “الدورانية” من الدوران حول الشيء، لا تجد منهم اهتماماً يذكر، فهم بعيدون عنها، بل إن بعضهم يشارك في الدوران حولها!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط