اتبع أسلوبه لا نصائحه

أصبح معروفاً لدى المهتمين أن نصائح البنك الدولي تؤدي غالباً إلى كوارث اجتماعية اقتصادية، إلا أن سهولة الحصول على تلك الاستشارات ولمعان الشعر الأشقر أو “المشقر”، “يزغلل” العيون ويدفع ببعض المسؤولين في دول العالم الثالث إلى الاعتماد على تلك النصائح، تجدها في باب “وش لك بالصداع”، و “أعط الخبز للخباز ولو.. مت جوعاً”، ترافق هذا قدرات البنك، خصوصاً في التمجيد الإعلامي الذي يمارسه لمن يتبع سبيله ومن وراءه من دول كبرى مؤثرة.
إذا نصحك البنك الدولي باتجاه اليمين اتجه يساراً، الأمثلة لدول في شرق آسيا أو أميركا اللاتينية معروفة، أمامنا هذه المرة مثال جميل ومبهج لدولة صغيرة من أفريقيا المصابة بالجوع والمرض والفقر. الأخ الكريم عبدالله السلمان لفت نظري إلى مقال “لسيليا دوغر” نشرته في الـ “نيويورك تايمز” وعرّبته الشرق الأوسط، عن تجربة ملاوي مع البنك الدولي، وهو بحق يستحق التنويه وتكرار الإشارة، لعل هناك من يعتبر.
في عام 2005 عاشت دولة ملاوي الصغيرة شبح المجاعة، وأصبحت حكومتها تتوسّل المساعدات لسكانها البالغ عددهم 13 مليوناً معظمهم يعملون بالزراعة، عندها قرر رئيسها أن يعتمد على حكمة جديدة ملخصها في هذه العبارة الذهبية “اتبع ما يمارسونه لا ما ينصحون به” يقصد الغربيين، فطوال عشرين سنة كان البنك الدولي والدول الغربية الكبرى تنصح ملاوي بخفض الإعانات للمزارعين، خصوصاً لمادة السماد الحيوية، هذه النصائح ربط النجاح في تنفيذها بتقديم المساعدات من البنك والولايات المتحدة وأوروبا، مع شبح المجاعة قرر الرئيس “بنغو وا موثاريكا” انه لن يستمر في التوسّل للحصول على المساعدات، وقدم إعانات للمزارعين للحصول على السماد بأسعار معقولة، في هذا العام 2007 تضاعفت المحاصيل ثلاثة أضعاف، وأصبحت ملاوي تصدّر الحبوب لبرنامج الأمم المتحدة الغذائي، وتصدّر مئات الآلاف من الأطنان لجيرانها، بل إنها قدمت مخزوناً من حليب الأطفال لأوغندا لأنها لم تعد بحاجة إليه، وعندما اتخذت ملاوي هذا القرار شكك فيه البنك الدولي وخبراء الولايات المتحدة وأوروبا، لكن النتيجة المبهرة خيبت أهدافهم وأثبتت خبثهم، هذه القاعدة الذهبية الملاوية “اتباع ما مارسه الغرب وليس ما وعظ به” يجدر بالمسؤولين في عالمنا العربي الوقوف أمامها وتدبّرها، الدول الفقيرة مضطرة لسماع نصائح البنك الدولي وصندوقه، أما الدول الغنية، خصوصاً العربية منها والسعودية ودول الخليج العربية على الأخص فليست مضطرة، نصائح البنك الدولي تهدف إلى مسك رقبة الاقتصاد والتبعية والاستمرار في الحاجة إلى المساعدات، لننظر إلى ما فعلوا في أوطانهم لا إلى ما ينصحون به، ولنلتفت إلى الكفاءات من أبنائنا وبالأخص أولئك الذين لا يعتمدون على مستشارين من البنك أو الصندوق من خلف الكواليس، فتكون مهماتهم استقبالات وتوقيع عقود لا غير، العبرة جاءت هذه المرة من أفريقيا فهل من متعظ؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.