«جَعْفِلْ»

كتبت عن كلمة «معليش» أو «معليه» التي تقال اعتذاراً عن خطأ ولا تحمل أي إشارات حقيقية للأسف، فأصبحت، في تقديري، تسهل على مرتكبيها الأخطاء في التعاملات الشخصية… لأن المقابل أو الثمن كلمة خفيفة على اللسان تستطيع أن تكررها عشر مرات من دون تعب، في حين أنها ثقيلة على الأذن تكاد تغص بها.
وصلتني تعليقات أوضحت أني لست وحدي في هذه الملاحظة وضمنها فوائد، كنت أشرت إلى ألا أصل لها في اللغة الفصحى.
من الرياض علّق أستاذ النحو والصرف وفقه اللغة في كلية اللغة العربية الدكتور حسن بن محمد الحفظي موافقاً، وهو يرى أن أصلها مما يطلق عليه «النحت» في فقه اللغة، حيث يؤخذ حرف أو أكثر من جملة معينة ثم تصاغ منها كلمة جديدة قد لا يكون لها معنى، وأصلها «ما علي شيء»، وهو ما ذهب إليه الأخ الكريم مازن مصطفى من دمشق في أنها «ما عليه شيء»، والمعنى يصب في ما ذهبت إليه في المقال.
صاحب «المعليش» لا يتأسف في الحقيقة، بل يستغرب من موقف من وقع عليه الخطأ بقوله «ما علي شي»، يجمعها في «معليش» بعد نحتها فهي منحوتة، والنحت في المحكي من اللغة له عند سكان مناطق في السعودية معنى آخر ربما يلامس معناها في الفصحى مع الفارق، النحت بلهجة شعبية هو الإصابة بالعين الحاسدة، حمانا الله وإياكم، فإذا كان النحات «الفنان» يحوّل صخرة عادية الصورة إلى شكل فني أخاذ، فإن «النحوت» قد يحول شخصاً صحيحاً إلى مريض، فيوصف فلان بأنه «منحوت» أو «منضول»، أي محسود نحته فلان بن فلان، هذا «إذا جاب خبره» لأن قدرتهم على الاختباء عجيبة، يجمعهم عدم ذكر الله تعالى إذا رأوا ما يعجبهم فلا يقولون «ما شاء الله لا قوة إلا بالله»، يجدون صعوبة في ذلك، وكأن الشيطان أوقف سيارته بالعرض في حلوقهم فسدها، وقد يسأل سائل وهل للشيطان سيارة؟ الله وحده اعلم، أخمّن أن لديهم مثلما لدينا وأكثر ربما تكون سيارته «منه وفيه» مثل شياطين الإنس.
الدكتور حسن الحفظي أورد أمثلة فيها فائدة، فإذا كان معروفاً أن «بسمل» هي اختصار للبسملة مثل التذكير بها عند الأكل بقولهم «سمو» بسكون على الميم، بالمحكي، فإن «جعفل» جديدة علي، تخيل أن صديقاً لك دعاك إلى طعام ثم قال لك «بسمل جعفل»! لا بد من أن تصيبك الدهشة و«تجفل» إلى أن يخبرك إذا كان لا يحب الإطالة في البوح بحلول الألغاز فيبرد الأكل، أن «جعفل» نحتاً لـ «جعلني الله فداك»، وقتها ستأخذ راحتك في الأكل.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على «جَعْفِلْ»

  1. mohd كتب:

    << يألفع >> يا أستاذ عبد العزيز
    يعني : يعطيك ألف عافيه على المقال ..
    سؤال يا أستاذ عبدالعزيز ؟
    هل كلمة ” ليش ” أو ” ليه ” تعتبر لغة عربية فصحى ؟

  2. أبو أسامة كتب:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    في البداية وددت أن ( أمسخرك ) وهي منحوتة لجملة أمسيك بالخير
    وأحيي ( السهلمنتعة ) – اسلوب السهل الممتنع – التي تكون عنوانا لمعظم ما قرأت لك .
    لكن السبب الرئيسي والذي لأجله دسست أنفي ،هو جعفل ، فقد كنت أسكن إبان العزوبية – تلك الفترة التي نبكي عليها ولا نرتضي عودتها ( لا أخفيك يوم يومين حلوين ) – في أحد أحياء جده الشعبية ، وكان صاحب الدار ، معلما للصفوف الأولية ، يدعى جعفل ، وعلى حد علمي ينطق بالفصحى جعفل بضم الجيم والفاء مع سكون العين واللام وقيل لي انه اسم من أسماء الأسد .
    قد لا تجد مردودا من مداخلتي ، انما اثارني الاسم آنف الذكر ولم أجد من أبوح له بذكراي العابرة ، سواك والكيبورد .
    على خير نلتقي
    والله يحفظكم

التعليقات مغلقة.