«الوجه الوسيع»

السعة مرغوبة في الأماكن الثابتة مثل المنزل والمتحركة كالمركبة، فهي مدعاة للانشراح والتمدد المادي والنفسي، هي أيضاً مطلوبة ومبتغاة للصدور، «وسّع الله صدري وصدرك وشرحهما إنه سميع مجيب».
لكنها، السعة، مذمومة في الوجوه، فإذا قيل عن فلان إنه «وسيع وجه» فالقصد أن لديه وجهاً كما المخزن، يمكن أن يحتوي على كل شيء من المتناقضات، وبقدرة على قول كل شيء، دلالة على نقـــصان الحياء وجفاف مائه لضغوط حرارة الأنانية. والوجه هـــنا في المقولة اختصار لحقيقة الشخصية ومبادئ وقيم هي الإطار الذي يحكم توجهها، كما أنها مؤشر إلى حسن تعامل مع الآخرين من حيث الأمانة والصدق، فلا يقصد حسن الملامح وجمالها أو دمامتها، ربما تكون الأخيرة واجهة كاذبة أو صادقة، فالعبرة بالخبرة والاختبار.
ومن أكثر الوجوه سعة وانفراجاً، وجوه المسوّغين، إنهم أولئك الذين لا يتحرجون من تسويغ أمر أو حدث وربما حالة عامة لا يقبلها عقل أو منطق، لا يعنيهم اجتماع رأي على خطأ وسلبيات، ما يعنيهم هو العمل الدؤوب لتحقيق مطامعهم الأنانية الضيقة. يكثر هؤلاء في الأماكن المغلقة حيث تتجلى قدراتهم وتظهر مواهبهم البهلوانية، وبعض منهم لا يتورع من الخروج بتلك المواهب للعلن… كتابة أو مشافهة بوسائل الإعلام.
ويشبه «الوجه الوسيع» حوض السباحة، حيث يتمكن القادرون من السباحة فيه سباحة الصدر والظهر وحتى الفراشة، والقفز عليه وفيه، لأنه مستوعب كبير فيه عمق، على رغم سطح مستوٍ ظاهر للعيان لا ينبئ عن تضاريس داخلية موحشة.
وصاحب «الوجه الوسيع» يمكن أن يكون لك في مرحلة وعليك بعدها بدقائق بحسب المصلحة… يتغير بسرعة كما الحرباء، يميزه طول لسان لزج أو يد سفلى يمدها لمن يعطي، وفي جعبته من الحجج ما يكفي لإلقاء خطابات في هيئة الأمم المتحدة المشهورة بطولها، وحصنه الذي يراه منيعاً أن الكل هكذا، لأنه يعتقد هكذا، فمن فرط سعة وجهه هو لا يرى سواه.

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.