الكنز المدفون

لديّ اقتراح للقائمين على الحملات التي تستهدف النصابين والمشعوذين والسحرة، وأكتب هذا الاقتراح وأطمئنهم أن “الأهداف” لا يقرأون، لأن لديهم صفحات صفراء يكتفون بها، يتلخص الاقتراح في نشر قصة عن مصاب بمرض مستعص، ومن المهم أن يكون ثرياً وسيتنازل عن نصف ثروته، مثلاً، لمن يتمكن من علاجه، ثم ننتظر ونرصد المتصلين والمراسلين وسنجد العجب العجاب، بل ربما يراسلني أحدهم بعد نشر هذا المقال سائلاً عن عنوان الثري أعلاه!!
ولأن “الكاتب ما ينسى سالفته” أعود إلى قصة السيدة الكريمة المصابة بأرق مزمن ونشرنا قصتها منذ سنوات، في جريدة الاقتصادية مع وعد منها بجائزة مالية ضخمة للمعالج المحتمل، وكنا في حيرة مع كثرة المتصلين والمبادرين، والمتقدمين للزواج  وأرقام الهواتف والعناوين، ولم يكن من السهل أن نقدم عنوانها لأحد لا نثق به، وتم الاتفاق على أن نرسل إليها ما وصلنا وهي من تقرر… فقد انتهت مهمتنا ومسؤوليتنا، وأثناء الإعداد لنشر ردود الفعل بحثت عن راق شرعي يعالج بآيات القرآن الكريم، لنأخذ رأيه في علاج السيدة بحيث يتكامل الموضوع الصحافي، ودلني بعض الإخوة على رجل كريم يعالج بالآيات القرآنية، وتبرع جزاه الله خيراً بمحاولة علاجها لوجه الله، ونشرنا وجهة نظره، وأثناء حديثي معه قال لي إن السحرة منتشرون في بلادنا، يعملون في الخفاء، وبحكم الحالات الكثيرة التي يعالجها، وقتها اعتمدت على القاعدة الصحافية في استخدام الشك طريقاً للوصول إلى الحقيقة فتوقعت أن هناك مبالغة في الأمر، ولم يكن من الممكن التيقن من دون واقعة واضحة وكيف لك أن تتحقق صحافياً من السحر والسحرة وأمرهم معروف بالغموض والغيبيات، وتأتي الحملات الأمنية الحالية لتكشف أن ما قاله الرجل حقيقة واقعة وأننا كنا في نوم عميق.
ولأنني أعلم أن بعض القراء يريد معرفة ما حصل للسيدة الأرقة، أقول إنني لا أعلم، فبعد أن قدمت إليها جميع المعلومات والطلبات التي وصلت في ظرف كبير، حاولت الأخت المحررة المكلفة بالقضية المتابعة ولم نصل إلى  نتيجة، لعلها تكون تجاوزت تلك الأزمة وبصحة جيدة.
كيف نقضي بل نقلل من كثرة السحرة والمشعوذين الذين يقتاتون مثل الديدان على حاجات الناس المرضية، وتعلق بعضهم بالقشة مثل الغريق؟ سؤال كبير، قد يعتقد البعض أن جوابه يكمن في التوعية، وقد يكون في هذا بعض الصحة لكن هناك أمراً أهم، هناك كنز مدفون لدينا، لم يأت حتى الآن رجل تاريخي ليتولاه  بالرعاية والاهتمام ويعيد اكتشافه، ولو قيل لك إن هناك كنزاً من الذهب أو حتى الأسهم، مطمور في “وادي قريح”، لربما امتطيت سيارتك مع بعض أحبابك وقلت لهم “لا تعلمون أحد”، مشكلة هذا الكنز أنه معروف ومحلي ويحتاج إلى جهود وإخلاص حقيقي، الكنز المحلي تنصرف عنه العيون والقلوب، لأن عقدة الخواجة متأصلة في جيناتنا، يسأل البعض أين الكنز أقول “أولاً كم نسبتي”؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.