الألم ناتج من تضخم المرارة، والسبب أننا معاشر الكتاب نلاحظ ونحذر ونكتب غالباً عن ظواهر قبل وقت كبير من تفشيها، والأمثلة أكثر من أن تحصى، وغالباً ما نواجه بالنفي الرسمي أو محاولة التخفيف مما ينشر، نوصف بالمبالغة أو التضخيم وأحياناً بإكمال الفراغ المطلوب من الصحيفة، الذين يحرصون على النفي والتقليل من الأهمية في الغالب الأعم هم المعنيون بالشأن التنفيذي لمواجهة القضية المطروحة، شأن تجميلي بحت لا يهمّ ما يخفي من “بلاوى مستقبلية”.
هذه المرارة التي تجعلني أكتب بألم وليس بقلم ولا “كي بورد”، وتدفعني لتأجيل استكمال سلسلة مقالات عن القشرة والجوهر، مصدرها ليس تفشي ظواهر تم التحذير منها قبل وقت مبكر نسبياً… فقط! بل هو ناتج من استفهام كبير يقول، ما هي القدرة الكبيرة التي يمتلكها كتاب المقالات في صحفنا وتجعلهم يرون نذر وشرر أمور لا تراها مراكز أبحاث وأجهزة كبرى ومستشارون متفرغون وموظفون لهذا الغرض؟ ضع ما شئت من علامات التعجب والاستفهام، فهل لدى الكتاب بلورات سحرية، يرون من خلالها ما لا يراه المستشار المتفرغ والباحث الرسمي ومدير أو رئيس مركز الأبحاث أو مكافحة شأن ما.
الطريف في الأمر أن الكاتب لا يعتمد سوى على حواسه الخمس، ربما تكون لديه حاسة سادسة تنتفض حينما يرى أموراً تنذر بأخطار على المجتمع والدولة، وهنا أعني الكاتب كما يجب أن يكون وهم ولله الحمد كثر.
الحواس الخمس نفسها مع إمكانات أكبر وصلاحيات تتجاوز أوهام الحاسة السادسة متوافرة وموظفة لدى المستشار والباحث ومراكز البحث، فلم نحصل على هذه النتيجة السلبية؟
الله سبحانه وتعالى يعلمنا في القرآن الكريم بضرب الأمثال، وليس هناك ما هو أكثر دلالة وقوة على الإقناع مثل ضرب الأمثال.
عندما بدأت نذر البطالة في الظهور منذ سنوات، وسط الضائقة الاقتصادية تلك الأيام، كتب الكتاب عن الأخطار الأمنية التي ستحدث محذرين ومتوسلين!، يؤمن كثير من الكتاب أننا في سفينة واحدة ويعتبرون أنفسهم أحد خطوط الإنذار الأولية للدولة… للوطن، للمجتمع، بدأت الردود على التحذيرات بالتقليل من أهميتها، تعتمد استراتيجية الرد أولاً على نفي أن هناك ظاهرة وحصرها في قضايا فردية، في شأن البطالة قيل ان الشباب يريدون أن يكونوا مديرين مباشرة من مقاعد الجامعة، ثم قيل انهم غير مؤهلين للعمل، بعدها ظهر أن كلفتهم أكثر، وعلى مدى سنوات حاول كبار رجال الدولة ترغيب القطاع الخاص وحثه على هذا التوجه، بالتصريحات والتعاميم والجوائز، لكن النتائج لم تصل للحد الأدنى، وعندما جاء فرض النسب ارتفعت الأصوات وجاءت التهديدات بخروج الاستثمارات من البلد، تناسى القطاع الخاص أن الدولة التي تطلب منه هذا النزر اليسير هي التي وفرت له أسباب الوقوف والتطور.
ما الذي يحدث الآن؟ الذي يحدث هو تعدد قضايا السطو على المنازل والمشاة والسيارات، واستخدام أسلحة بيضاء وسوداء، على رغم الحملات الأمنية، حوادث لم نكن نعرفها بهذه الكثرة، وأصبح الناس يقولون: “أعيدوا لنا الأمن”.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط