نشرت جريدة “الحياة” في عددها الصادر في الأول من الشهر الجاري مقالاً لرئيس المؤتمر اليهودي العالمي ادغار برونفمان تحت عنوان “المسلمون يستحقون الاحترام نفسه”، استعرض فيه قضية الإساءة إلى المسلمين بنشر رسوم تمس شخصية الرسول – عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام – مشيراً إلى أن ذلك كان خطأ، وأن من حق المسلمين أن يحصلوا على الاحترام نفسه. واستوقفني المقال لسببين، الأول أن قضية الرسوم الدنماركية وصلت إلى الحد الذي دفع رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إلى الكتابة عنها!
برونفمان دعا إلى احترام المعتقدات الدينية، وأظهر فهماً للدين الإسلامي الذي يحرم تصوير الرسول الكريم، إلا أنه في نهاية المقال أشار إلى عدم الحاجة إلى تشريعات جديدة! هذا ما استوقفني ثانياً، إذ قال: “لسنا في حاجة الى تشريعات جديدة، فليس في مقدورنا تقييد حرية التعبير، وإنما نحتاج إلى أن نقيد أنفسنا، وإن لم نفعل فسنتعرض للتقييد من الغير على الأرجح”.
لنتخيل أنه تم رسم شخصية حاخام يهودي بغطاء رأس على شكل قنبلة، هذا المثال هو للكاتب المحترم روبرت فيسك ذكره في مقال نشرته “الوطن”، ماذا سيحدث يا ترى؟ هل سيتحدث السيد برونفمان عن “تقييد أنفسنا”، أم أنه سيكتب عن معاداة السامية؟ مقال رئيس المؤتمر اليهودي العالمي اتسم بالهدوء، إلا أن دعوته إلى عدم الحاجة الى تشريعات جديدة مستغربة ومثيرة للدهشة، فهي لا تنسجم مع تأكيده أن “للمسلمين الحق في الحصول على الاحترام نفسه”، المفترض منطقياً أيضاً حقهم في الحصول على التشريعات نفسها.
قضية الرسوم الدنماركية أصبحت دولية، وعلى رغم الشوائب فهي ايجابية، ومن الواجب علينا عدم الالتفات كثيراً لمحاولات الحكومة الدنماركية الحالية تمييع القضية وجعلها مواجهة أوروبية إسلامية، والتصرفات غير المسؤولة من الجانبين يجب ألا تلهينا عن هدفنا الرئيسي، وإعادة نشر الرسوم في صحف أوروبية واستثمار الأزمة من اليمين المتطرف الأوربي كلها تدخل ضمن التصرفات الصبيانية، تحرك الغوغاء يوقظ غوغاء آخرين، لذلك شاهدنا تصفيات سياسية مستهجنة، استخدمت القضية في الشوارع.
الواقع يقول إن منظمة المؤتمر الإسلامي التي يقودها بروفيسور محترم أمام تحد كبير، فإما تكون كما يراد لها أو لن تكون شيئاً مذكوراً. والواقع يقول إن بيان قمة مكة المكرمة الأخيرة هو الآخر أما تحد كبير، فإما تدون توصياته بتشريعات دولية أو تتبخر في الهواء مثل بيانات قمم سابقة. أمام المسلمين فرصة تاريخية، بإدارة هادئة صلبة تتحلى بالإصرار والنفس الطويل، يمكن لنا إصلاح العمل الإسلامي الدولي من خلال هذه القضية، نحن أحوج ما نكون إلى جعلها قصة نجاح.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط