“الخنزيرة الطائرة”

تركتُ ما بيدي لأفرد صفحتَيْ الإعلان الذي نُشِر في جريدة “الحياة” يوم الأحد (الماضي)، وأقرأ ما كُتِبَ على صفحة كاملة، رسالة من مواطن يوضح فيها مشكلته مع أمانة مدينة حائل حول أرض استثمر فيها ثم ثبت أن هناك تنازعاً على ملكيتها، ما ورّطه في خسائر ومراجعات. أما على الصفحة المقابلة فإعلان من محامي مواطن آخر يدعي أن تلك الأرض تعود ملكيتها إلى موكّله، توضيح المحامي على الصفحة اليسرى كان دقيقاً، ولفت انتباهي، إذ وضع تصريحات سابقة ولاحقة لأمانة مدينة حائل موضحاً تناقضها، ولا يتركها على حالها، بل يردّ عليها بتبويب عملي تسهل قراءته. عزيزي القارئ… تصوّر لو أن الصحف أو بعضها على الأقل قامت بالتدقيق في تصريحات مسؤولين في جهات متعددة، تصريحات سابقة وأخرى لاحقة، وقامت بمتابعتها بهذه الصورة، والإمكانية متوافرة، فهي أرشيفية في متناول اليد، لا تحتاج إلا إلى بعض الشباب المتحمس، وشيء من الجرأة المهنية الخلاقة. أقول تخيّل – عزيزي القارئ – لو حدث ذلك واستمر، هل ستجد “استسهالاً” للتصريحات الرنانة من بعض المسؤولين، وردود العلاقات العامة المكررة؟ لو حدث ذلك ألاَ يكون شكلاً من أشكال المراقبة والمتابعة العملية، في ظل غياب جهة تحاسب وتعاقب وتعلن النتائج للعموم؟ تخيّل – عزيزي القارئ – هل ستجد صور بعض المسؤولين وتصريحاتهم بالكثرة نفسها بعد ذلك؟ أم أنهم سيحسبون ألف حساب لكل كلمة، بل ربما يجدون وقتاً أكثر للعمل. وتخيّلوا معي، أعزائي، والخيال فيه كثير من المتعة و “فَشّ الخلق المشحون”، لو بدأنا بالبلديات والأمانات وذهبنا إلى أقسام الأراضي والمنح، ماذا سنكتشف يا ترى؟ وكم “خنزيرة” ستطير بأجنحة؟ ربما ستصبح “الخنزيرة الطائرة” من الطيور المألوفة في سمائنا! ولك أن تتخيّل كم من أراضٍ ستصرخ حِجَجُ استحكامها بلسان طويل، وكم من تقارير متناقضة يُجرَى رفعها وخفضها، ربما سيطل بعضها برأسه من داخل الأدراج معلنة اختناقها. لستُ هنا بصدد الدخول في تفاصيل قضية أمانة مدينة حائل، فلست أعلم عنها إلا ما نُشِر، وأستند إليه، لكني أدعو أصحاب الشكاوى والمحامين إلى استخدام هذا الأسلوب، لأن فيه فوائد جلية، أقلها توعية الناس، فلا يركضون وراء تأكيدات جهة حتى لو كانت رسمية، بل يجب عليهم أن يذهبوا إلى كل الجهات المعنية، أقول كل!! وفي الأراضي ربما يستلزم الأمر ذهابهم إلى كل المكاتب العقارية، وتحمل شرب “بيالات” الشاي البارد.. ليتأكدوا، إلى جانب هذه التوعية الاستثمارية، فإن هذا الأسلوب يحقق شكلاً من أشكال الردع، فنحن لا نرى شيئاً منه يُعلَن لنا من جهات رسمية.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.