الفاشية الأميركية

الحرب الصهيونية على لبنان لم تنحصر في قصف وتدمير بنيته التحتية وقتل أبنائه فقط، بل تعرض – ومعه العرب والمسلمون – إلى قصف إعلامي مركَّز، وتشويه منظم. وبلغ هذا القصف ذروته، وتم تتويجه بتصريحات الرئيس الأميركي، فلا بد – والحرب الصهيونية بحاجة لوقت أطول لتقطيع أوصال لبنان على رؤوس الأطفال والنساء – من تأجيج الرأي العام العالمي، والغربي خصوصاً، على المسلمين. لا بد من بعث الكراهية للإسلام والمسلمين في النفوس. إنه الوحش الخطر الذي تبرر الإشارة إليه كل أنواع التسلط والغطرسة والعدوان.
بدأ القصف الإعلامي بالحرص على التعتيم. في الدولة الصهيونية، تم طرد المراسلين الأجانب، وإطلاق النار على بعضهم، واعتقال آخرين، وتقييد حركتهم، وبث صور معينة “مفلترة”. أما في القنوات الغربية – الأميركية خصوصاً – تم التركيز على مشاهد وقصص “إنسانية” من داخل إسرائيل، وويلات صواريخ المقاومة اللبنانية، مع تجاوز متعمد لصور الدمار والقتل الذي لم يسبق له مثيل في لبنان. ثم جاء الحرص الديبلوماسي البريطاني للحض على منع نشر صور القتلى والخراب، فهي عملية إسرائيلية لا تصنّف ضمن الإرهاب والفاشية بالعيون الغربية. عملية لا بد من تجميلها. ولأن التعتيم يستلزم التشويه أيضاً، تواترت الأنباء عن قصة مصور لبناني اتهم بتعديلات تقنية على صورة فوتوغرافية، قيل إنه أضاف سحب دخان لصورة عن قصف مبنى في بيروت، لعل هذه القصة كانت الأكثر مدعاة للسخرية. إنهم يستخدمون كل الأسلحة. هذه الحكاية تنطبق عليها قصة الذي يبلع الجمل ويغص بالبيضة! فهل هناك أحد بحاجة لمعرفة حجم الخراب والدمار من خلال صورة فوتوغرافية؟ اللهم إلا إذا كان المتاح له من القنوات الفضائية المباشرة يمارس التعتيم! ولأن الدور البريطاني في الهجمة على البلدان العربية والإسلامية محوري مساند وتابع لسياسة الحكومة الأميركية كان لا بد لها من حضور، خصوصاً أنها اختفت من الصورة تماماً، ولم نر لها جهداً يذكر، حتى في ما يسمى “تخديراً” جهود الوساطة الديبلوماسية. كان الحضور “غير شكل”، فكشف لنا عن إحباط أكبر عملية خطف وتفجير طائرات أعلن عنها في توقيت مناسب، ليتلقفها الرئيس الأميركي ويعيد للأذهان “الخطر الإسلامي”، فيتهمه بداء تمكن من عقله.
بمراجعة ما حدث في العراق وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل والإصرار عليها، إضافة إلى ما حدث للأبرياء في سجن ابو غريب ومعتقل غوانتنامو يحق لنا أن نشك ونشكك في تلك القصة، ولا نستنتج سوى أنها عودة بريطانية خجولة لشاشة الأحداث الساخنة، لكن ماذا نفعل وقد أهدى أسامة بن لادن وقاعدته هدية القرن للفاشية الغربية ممثلة بالسياسة الأميركية في المنطقة. تلك الهدية صندوق سحري لا يحتاج إلى شيء سوى قصص محبوكة، وآلة إعلامية هائلة، وسذج يتلقفون. فمن يستطيع معرفة الحقيقة المجردة وكل الأدوات بيد “الحكواتي”، تذكر أنه يطالب بمنع صور الحقيقة ويقدم الحكايات، ويستمر بممارسة الإرهاب ويتهم الآخرين بممارسته.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.