تجربة محمد يونس الناجحة هي – من جهة أخرى – تجربة مخجلة، خصوصاً للمجتمعات الغنية القادرة، تسألني: لماذا؟ وأقول لك: لأنه بدأ برأسمال لا يتجاوز 27 دولاراً! لكنه امتلك إيماناً وتصميماً وهدفاً نبيلاً. الرجل البسيط بقي على بساطته، لم يفكر في أن يصبح ثرياً، فتحقق له النجاح والثراء والتقدير العالمي. وفوق هذا – وما هو أهم منه – السنَّة الحسنة النبيلة، التي امتدت آثارها إلى 40 دولة قامت باستنساخ تجربته. ولك أن تتخيل مدى هذا النجاح الذي بدأ بـ 27 دولاراً، حتى وصلت قروض البنك الذي أسسه إلى أكثر من سبعة بلايين دولار.
ولاحظ أن استراتيجية محمد يونس كانت بسيطة وواضحة المعالم، ولا أعتقد أنها احتاجت إلى دراسات ولجان وأمناء عامين وخاصين، وتشييد موقع، وما إلى ذلك، ما يجهض كثيراً من الأفكار والمبادرات النبيلة.
ومنذ أن ظهر اسم محمد يونس وبنك “غرامين” إلى السطح والإعلام، والنجاح الذي حققه في بلد يوصف بالأفقر عالمياً، وأنا أتتبع محاولات الأمير طلال بن عبدالعزيز وجهوده للاستفادة من هذه التجربة في البلاد العربية، ومن بينها السعودية. ولكن على رغم سنوات طوال لم يكتب لهذه الجهود أن تصبح واقعاً، اللهم إلا من تأسيس بنك مشابه في اليمن لم يبدأ عمله حتى الآن، بحسب علمي.
ويحق للجميع أن يتساءلوا: لماذا يمكن لتجربة مثل بنك “غرامين” أن تنجح وهي بدأت بمجهود فردي، وفي بلد مثل بنغلاديش، بوضعها المعروف ومصادرها المحدودة، واستيطان الفقر فيها، وتتابع الكوارث الطبيعية القاسية عليها، ولا تستطيع حكومات ومؤسسات في بلاد أخرى أن تفعل مثله، أو تتلكأ في القيام بذلك؟
إلا أن التساؤل الأكبر هو: كيف تكون بين أيدينا خبرة ونجاح مثلما حقق محمد يونس، ونلهث راكضين وراء خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهم الذين أسهموا في إفلاس دول فوقعت تحت طائلة الديون؟! ولماذا نستقدم من بنغلاديش عمالة بعضها وليس كلها من أسوأ ما مر على بلادنا من العمالة، بسبب الأعمال غير القانونية التي تمارسها، حتى أنها أساءت لبلادنا ولبلادها؟
تخيل، أو لك أن تتمنى – عزيزي القارئ – لو فتحت الأبواب لمحمد يونس وتجربته الناجحة أمام عيون العالم، ووظف هو شخصياً لمعالجة الفقر في السعودية، تخيله يدير صندوق الفقر بكل الإمكانات التي وفرتها الدولة، أليس هو الأقرب لتحقيق أحلام وطموحات خادم الحرمين الشريفين وولي عهده حفظهما الله، في القضاء على الفقر؟ وما الذي يمنع من ذلك؟ أليس في مكاتب بعض المسؤولين خبراء أجانب وإن لم يظهروا في الصورة الإعلامية؟! دعونا نحلم… وهو حلم ليس صعب المنال، بل في متناول اليد.
كأني أرى عيون بنوكنا المحلية قد جحظت وتدلدلت من محاجرها!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط