محمد يونس صاحب جائزة نوبل للسلام ومؤسس بنك “غراميين” لإقراض الفقراء… كيف لي أن أودعه وأنا لم ألتق به أصلاً؟ لو حصل ذلك لابتهجت واستفدت، فهو نموذج نادر من الرجال، يذكرك بهامات كبيرة أثرت في تاريخ شعوبها مثل الزعيم الأفريقي مانديلا.
أقول وداعاً للدكتور محمد يونس، لأن احتفاءنا به سينتهي اليوم أو غداً أو بعد أشهر على أكثر تقدير. وهنا أتذكر احتفاءنا بتجربة رئيس وزراء ماليزيا السابق السيد مهاتير محمد، وكيف كانت وما زالت ماليزيا أنموذجاً نضعه أمامنا عند المقارنة بين إمكانات النجاح المتوافرة. ندعوهم للمنتديات والمؤتمرات ويحضرون ويحاضرون، ونستمتع بأضواء فلاشات الكاميرات بجوارهم، ثم يختفون هم وأفكارهم وتنتهي الحفلة. بعد ذلك نسارع للبحث عن خبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي!
استطاع محمد يونس بعد 30 عاماً من تطبيق فكرته في إقراض الفقراء ليعتمدوا على أنفسهم ويصبحوا أفراداً منتجين في المجتمع لا عالة عليه… استطاع أن يبهر العالم، فكان آخر تتويج له جائزة نوبل، مناصفة بينه وبين البنك الذي أنشأه.
لكن تخيل معي…
تخيل لو كان محمد يونس سعودياً، وهو يحمل هذه الفكرة معه منذ أوائل سبعينات القرن الماضي، ما هي حاله الآن يا ترى؟ ألا تتفق معي أنه لا يزال، بعد ثلاثة عقود، يبحث عن ترخيص أمام أبواب الجهات المعنية، التي لا تبادر ولا تحتضن مبادرات حقيقية، ربما هو مستمر، إن لم يصب بالإحباط، في كتابة مقالات في الصحف ومناشدات هنا وهناك، ربما قرر الهجرة وهاجر منذ سنوات طوال إلى مجتمعات فيها جهات رسمية تحتضن أصحاب الأفكار والمبادرات.
أكثر ما انشغلت به، وأنا استعرض هذه التجربة الفريدة، هو كيف حصل على التراخيص والمساحة للعمل، وكيف واجه العقبات الرسمية وسطوة البنوك التجارية والمرابين هناك؟ هل كانت خلفه واسطة قوية؟ لست أدري. فلم أقرأ عن مصاعب تطبيق الفكرة، في ما قرأت عن تجربة محمد يونس، لأن لكل وضع قائم، مهما كان سيئاً، مجموعاتٍ “متمصلحةً” منه، تقاتل لبقائه على ما هو عليه.
اكتشف محمد يونس أنه عندما يقرض الفقراء من صغار الحرفيين فهو يحررهم من قيود المرابين، فتتكسر عن رقابهم القيود ويبدأون العمل لأنفسهم ولعائلاتهم، وليس لبنك أو مُرابٍ يمتص دماءهم إلى آخر قطرة. هكذا فعل محمد يونس. لكن ماذا فعلنا نحن؟ قامت الجهود الحثيثة لأسلمة القروض البنكية! وبأصناف المغريات والإعلانات، لا نزال غارقين في طوفان دفع الجمهور لمزيد من الشره الاستهلاكي! مزيدٍ من القيود، ومراكمة “العالات” المجتمعية.