الأعمال الصحافية الحقيقية تبرز نفسها وتكون أكثر مهنية، وتصبح في المقدمة عندما تلامس هموم إنسان بسيط وضعيف أو بلغة العصر، “ما وراه ظهر”!
بادرت صحيفة “الحياة” بطرح كثير من القضايا التي تلامس هموم جماعات وأفراد، وقبل ثلاثة أشهر قدمت تقريراً صحافياً ولا أروع، بقلم الصحافي النشط ناصر الحقباني، وكشفت عن محنة سكان قرية سعودية منسية إنها قرية “البديعة” في منطقة القصيم. لأجل البحث عن الذهب قامت شركة “معادن” بالتنقيب في منجم “الصخيبرات” فعاثت في البيئة فساداً، وتلوثت المياه بالمواد الكيماوية السامة مثل الزئبق والزرنيخ، فكانت النتيجة المعلنة كالآتي:
وفاة طفلين بسبب تشوهات جنينية.
إجهاض 16 امرأة وبعضهن لأكثر من مرة.
إصابة بعض السكان بأمراض أخرى.
نفوق 3345 من الإبل والماعز.
هلاك مزارع السكان بعد جفاف الآبار وتلوثها، واضطرار أهالي القرية إلى جلب المياه من مسافات بعيدة.
حصل هذا في عام 1992. حسناً ماذا فعلت الشركة التي تصفها الصحيفة بالعملاقة؟ قامت بحفر آبار بديلة ثبت لاحقاً أنها ملوثة هي الأخرى، والتقارير التي أشارت إليها صحيفة “الحياة” من مستشفى الملك فيصل التخصصي، والشؤون الصحية في القصيم واضحة ولا تقبل الجدل. بعد سبعة أعوام! وعدت شركة معادن بمد أنبوب للمياه ولم تف بالوعد حتى تاريخه، الكارثة عمرها أربعة عشر عاماً، وأحاديثنا على البيئة وحمايتها ليس هناك أكثر منها.
ثلاثة أشهر ولم نر وجهة نظر أو نسمع رداً من شركة معادن! بعد “صمت معادن” يظهر أن مسؤوليها مشغولون بطرح الأسهم للاكتتاب، ربما أنها تنقب في مكان آخر لم يستوعب أهاليه ما قد ينتظرهم، من الواضح أن هذه الكارثة ليست من أولويات شركة “معادن”، فهل هي مصابة بحمى البحث عن الذهب؟ كأني بأحد القراء يعلق قائلاً: ماذا يهم مسؤوليها وهم ينعمون بالماء الزلال وأطفالهم وأهاليهم في أماكن نظيفة؟
“الحياة” بشرتنا الأسبوع الماضي أن هذه القضية لم يطوها النسيان، وان ديوان مجلس الوزراء يبحثها مع أربع جهات حكومية. نريد بياناً يوضح المسؤوليات، ويضع خطوطاً حمراء تجاه الشركات التي تعبث بالبيئة.
المحافظة الحقيقية على الإنسان والبيئة هي في ملاحقة كل من يلوث ويدمر، خصوصاً الشركات التي تتنقل بين منطقة وأخرى، ما الذي يطمئننا من أن شركات أخرى مثل معادن لا تقوم بمثل هذا وفي هذه اللحظة، وفي قرية لا يصل صوت أهاليها، خصوصاً مع صمت الجهات المعنية طوال هذه السنوات!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط