صديقي ابوزيد واحد من الساخرين الملثمين. لفتت انتباهه زيارة بيل غيتس “هامور التقنية الأميركي ما غيره”، وصاحب التبرعات الضخمة للأعمال الخيرية، إلى جدة. وغيتس يمثل صورة من صور النجاح الكبير، في حين تكبل جدة المدينة وسكانها بكثير من القضايا المستعصية منذ عقود، والتي تؤثر على حياتهم وإنتاجهم. هذه الصورة المتناقضة جعلت أبو زيد يتساءل: كيف سيخرج غيتس من مطار الملك عبد العزيز المعروف بتردي خدماته؟ وأي طريق سيسلك ليصل إلى موقع المنتدى؟ وسكان جدة وزوارها يعلمون أحوال الطرق فيها ومع الأمطار وسوء البنية الأساسية للتصريف والمجاري لك أن تتخيل الصورة. أبو زيد اقترح أن يوفر قارب للضيف الكبير احتياطاً، وحتى لا يخرج بصورة سلبية عن مدينتنا جدة العروس المبللة وعن بلادنا، فيركب طائرته مغادراً على وجه السرعة إلى “بنغالور” في الهند. والملاحظ أن المنتديات الاقتصادية بجدة حفلت خلال الفترات الماضية بضيوف من الوزن الثقيل لعل أهمهم، حسب رأيي المتواضع، مهاتير محمد. ورغم تجارب أولئك الضيوف المشهودة والناجحة في بلادهم، لم ينعكس منها شيء يذكر على أحوال جدة المدينة، وكأنهم فلاشات تلمع وتختفي سريعاً ليعود الظلام. وفكرت في البداية أن يكون هناك مشروع توأمة بين جدة وغيتس، ثم تذكرت أن للتوأمة شروطاً أقلها التشابه، ونحن أمام حالة من التناقض، غيتس اشتهر باكتساحه سوق التقنية بنظام “ويندوز”، فدخل كل جهاز كمبيوتر، ما جعله سهلاً وممكناً لاستخدام الأفراد في منازلهم أو مكاتبهم. أصبح جهازاً لا غنى عنه. وجدة المدينة، حالياً على الأقل، تشتهر بأنها أكبر سوق لسيارات صهاريج المياه (الوايتات)، إمّا “شفطاً” للمياه الآسنة، أو نقلاً لمياه الشرب. فحين يفكر غيتس بالألياف البصرية وشرائح السليكون المطورة، نفكر نحن، في جدة، بالمواسير والأنابيب الفخارية، وطبقات معقولة من الأسفلت النظيف.
ويشكو أحد الإخوة من سكان حي الروضة بجدة من أن الشركات المنفذة لمشاريع الصرف الصحي لا تقوم بعملها على الوجه الصحيح، تأخراً وإهمالاً، فتترك الشوارع بعد التنفيذ مغبرة، وغير مستوية لأوقات طويلة، يكدر الحياة على السكان، صحتهم تتأثر، وأحوال سياراتهم تتردى. وأول ما قرأت رسالة الأخ الكريم توجست من خطأ ربما يحدث، فيمر موكب غيتس بهذه الطرقات المغبرة وهو لا يلبس “شماغاً ليتلثم به”! أما شركات المقاولات الكبرى، العاملة في بلادنا، خصوصاً تلك التي تبقر بطون الشوارع والطرقات فإن الأعين عنها مغمضة، ورغم ضخامة العقود فإنها تبخل بالإسراع في التنفيذ، وشروط السلامة الضرورية، وتقوم بإيكال كثير من الأعمال لأصحاب حفارات وتراكتورات من الأفراد، لذلك يسأل الجميع الأمانات وبلدياتها الفرعية التي يجب أن تراقب وتحاسب، أين مراقبيها من هذه الشركات؟ هل كونها تعمل داخل الأحياء، يجعل عوراتها مستورة؟!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط