تعليق ظريف من احد الأصدقاء على مقال أشرت فيه إلى الحديث النبوي الشريف الذي يوجه المسلم إلى كيفية إدارة ماكينة الأكل البشرية “المعدة”، ثلث للشراب، وثلث للأكل، والثلث الأخير للنفس، وعلى صحن عامر، وبعد أن شبع هو، فيما صديقه البدين المسكين مستمر في الأكل، طرأ له أن يذكره بالتخفيف وألا يزيد عن شحن ثلث المعدة، فعلق الجائع بقوله: “كل واحد أدرى بثلثه”!
أيام عيد الأضحى المبارك تحفل باللحوم الحمراء، يؤكل الثلث ويُهدى ثلث ويُتصدَّق بالثلث الأخير للفقراء. هذا هو المفترض. وبالنسبة للغالبية من أبناء المجتمع، اللحم الأحمر من أساسيات المائدة، خصوصاً على وجبة الغداء. ولا زالت الذبيحة الكاملة بكل “معاليقها” هي القيمة المعتبرة والمعيار المتفق عليه اجتماعياً، عند التكريم و “التوجيب”، للضيوف، ولأنها كذلك يقول المضيف السعودي وهو يدعو ضيوفه للمائدة، “كل واحد منكم له حق”، والمعنى أن كل شخص من الحاضرين يستحق ذبيحة.
هذه العلاقة القديمة المتأصلة مع الذبح والسلخ وتقديم اللحوم الحمراء، لم توصل مجتمعنا حتى الآن إلى العناية بالتثقيف الاستهلاكي، علاقة العشق العنيف هذه، منذ أيام الجوع التي عاشتها أجيال سبقتنا، لم توجد ثقافة للتعامل مع اللحوم الحمراء، قبل الذبح وبعده، فهي لا زالت أقرب إلى علاقة الجوارح، مع انه لا يؤكل منها إلا القليل.
وبحكم أن الأضحية نسك وتعبد وتقرب إلى المولى عز وجل، وفي مثل هذا اليوم العظيم، العيد الأكبر، أعاده الله على الأمة الإسلامية وهي في استقرار بعيداً عن
أطماع كل أنواع الجوارح المتلونة، في هذا اليوم الكبير تمتلئ كثير من المنازل باللحوم الحمراء، ويقف الإعلام المحلي عاجزاً عن التوعية والتثقيف، التركيز يتم على الناحية الشرعية، فيتناول شروط الأضحية، وكيفية ذبحها، وهذا أمر مهم
ومطلوب، إلا أن هناك نواحي عدة يغفل عنها المختصون مثل النواحي الطبية والاستهلاكية، فيكون هم الناس إنجاز أضحيتهم في وقت باكر هو المسيطر، عملاً بالسنة النبوية الشريفة. ولا يزال بعضهم يأكل من الأضحية ولم تجف دماؤها بعد، وعلى رغم أنه يدفع قرابة الألف ريال في الواحدة منها، فإنه يسلمها لمبتدئ “يعفسها عفساً”، فلا يعود اللحم طيباً وتضيع قيمتها الحقيقية، وفوق هذا يرمى منها الكثير في النفايات وهي أجزاء يستفاد منها في مجتمعات أخرى أكثر وعياً، وربما أكثر حاجة وتدبراً، بل هي أجزاء قد يطلبها من مطعم في المساء من قام برميها في الصباح!
كثافة اللحوم الحمراء هذه وعلاقتنا معها طوال العام تحتاج إلى عناية وتدبير، ومثلما تمت الإفادة من لحوم الأضاحي في المشاعر، التي شاهدتها في زمن مضى تطمر تحت الأرض، أرى أنه من الواجب العناية والاهتمام بتثقيف المجتمع وأفراده. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وشملنا بعفوه الكريم، وعيدكم مبارك.