عمره 140 سنة كما يقول الخبر، ظهره انحنى بزاوية قائمة كاملة، يحمل عمره وهمه وحيداً إلا من حضن جذع شجرة يؤنس وحدته، هذا الشيخ المسن فقير سعودي، منزله ظلال شجرة في محافظة الليث (غرب السعودية)، رأسماله لا يتجاوز غنيمات لا يزدن عن عدد الأصابع، يقتات من حليبها، الليث المحافظة ليست بعيدة عن مكة المكرمة بل هي بلغة البادية “حذفة عصا”، هي جزء يتبع إدارياً للمنطقة! ومن المفارقات أن هذه المحافظة أكبر بوابة للمتسللين إلى منطقة مكة المكرمة!
عندما كتبت بعض المقالات عن أحوال محافظة الليث ومراكزها وقراها المتناثرة، منبهاً إلى حال الفقر المدقع وانتشار الأوبئة بين السكان وتردي الخدمات أو عدم توافرها أصلاً، ومن خلال اتصالات مع بعض الإخوة هناك علمت عن قصة سلوم، ثم نشرت صحيفة “الرياض” تحقيقاً للصحافي عبدالله البصراوي، فكانت صورة الشيخ المعمر تحت الشجرة المعمرة أبلغ من كل مقال، حال الشيخ “سلوم” نموذج و “عينة” لأحوال نساء وشيوخ وأطفال وشباب شبه ضائع من أهالي الليث.
لكن ماذا حدث بعد نشر مناشدة الشيخ المعمر المساعدة لقضاء الفرض؟
اتصالات من أفراد (رجالاً ونساء)، الكل يريد تقديم المساعدة للشيخ المسكين، يأتي في المقدمة الأمير الإنسان تركي بن عبدالعزيز الذي حرص كما علمت على تحقيق حلم الشيخ المسن، وهذا صدى جميل يعبر عن أن مجتمعنا ما زال يحمل كثيراً من الخير وحب المساعدة والتعاطف، إلا أنهم أفراد، دفعتهم عواطفهم وخصالهم الكريمة للمبادرة ومحاولة تقديم المساعدة. العجب والأمر المستغرب والمثير لعلامات الاستفهام، أنه لم تهتم جهة حكومية واحدة بحال الشيخ المسن، مثل عدم اهتمامها بأحوال المحافظة ومراكزها، ولا حتى تلك الجهات المعنية مثل وزارة الشؤون الاجتماعية، ربما لأنه فرد وهي معنية بالمجتمع!
ولم ترد أية مبادرة من حملات الحج التي تخطف إعلاناتها الأبصار في الصحف والشوارع.
والأكثر مرارة من هذا كله، انه لم ترد مبادرة من الجمعيات الخيرية، لا في الليث ولا من خارجها، تعودت هذه الجمعيات – التي لم يُنفض الغبار عنها – على العمل المكتبي، وعلى المحتاج أن يراجعها، أما إذا كان نائياً وحيداً عاجزاً فليس له سوى ظل شجرة، بنى على ضعفه وفاقته بين أغصانها “عشة” مهلهلة لا تقيه زمهرير الشتاء ولا سطوة الشمس الحارقة.
حلم، طوله أكثر من مئة عام، بأداء الفريضة قبل الممات، يعبر عن واقع حاله وأحوال جيرانه، فالفقر من حوله منتشر، لو تكاثرت الكاميرات والفضائيات في منطقة الليث لتغير الوضع، وكثر عدد الراغبين في الظهور من المعنيين بإصلاح الأمور، وفي أطراف محافظة الليث وعلى شواطئها البكر تقبع شركات كبيرة لرجال أعمال، لكنها لا تفكر ولا تبادر بتبني مشاريع مجتمعية تنفع أبناء الأرض التي تحقق الأرباح من خيراتها.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط