هل باعت أميركا العراق إلى إيران، أم أنه سرق منها؟ هل يعقل أن نطلق على كوارث السياسة الأميركية الدموية المتوالية في العراق صفة الأخطاء؟ أليس من السذاجة أن نواصل الحديث عن أخطاء؟ هل يعقل أن تستمر الدولة الكبرى التي حملت على عاتقها نشر الديموقراطية في الكرة الأرضية وبقية كواكب الكون في ممارسة الأخطاء؟ وهل البلاد العربية محطات تجارب؟ وهل من المصادفة أن يشتعل العالم العربي في الوسط والأطراف؟ أسئلة مشروعة، خصوصاً أن الولايات المتحدة وشقيقتها بريطانيا تدعيان الصداقة مع الدول العربية المعتدلة، إلا أنهما مجتمعتين تقومان بكل ما يقض مضاجع هذه الدول ويهدد استقرارها.
شرارة أشعلت الطائفية الجديدة في العراق، كانت كلمة جغرافية طائفية، نحتها الأميركي، وتلقفتها وسائل الإعلام العربية، فرددتها بببغائية مستهجنة، وصفت بعض مناطق العراق بالمثلث السني، وانطلقت شرارة التصنيف، فهل ما تفعله يومياً القوات الأميركية والبريطانية في العراق هو صناعة فخ كبير لبقية دول المنطقة، ليتحول الصراع من عربي – إسرائيلي إلى عربي – إيراني.
أليس من العجب السياسي أن تسلم الولايات المتحدة مقاليد السلطة في العراق لأحزاب دينية عراقية تمت تربيتها في إيران حتى أصبحت إيران مرجعيتها السياسية والدينية؟ أليس من العجب السياسي استمرار الولايات المتحدة وشقيقتها بريطانيا في الإصرار على ذلك؟ في مقابل حملتها الإعلامية والديبلوماسية حول ملف إيران النووي! وهل المطلوب حشر الدول العربية لتحقق هي بنفسها رؤية “بلير” واقتراحه بإقامة حلف سني ضد إيران؟ حشر الدول العربية الباقية بين المطرقة والسندان لا يشير إلا إلى ذلك.
المراهنة على السياسة الأميركية الخرقاء نوع من الانتحار، هذا أمر معلوم. الأولوية المطلقة لهذه السياسة في منطقتنا هي لإسرائيل والنفط، وها هو النفط العراقي بين يديها وتحت جنازير دباباتها، أما المدن والسكان فتركوا للخصوم، وها هو العراق العربي يضمحل رويداً رويداً.
ويأتي أذناب أميركا ليقولوا إنها أخطاء، منذ الغزو الذي باركوه.
هناك صفقة حتى ولو لم يجلس البائع والمشتري على طاولة واحدة، حتى ولو لم تجف ألسنتهم من التلاسن. المفقود وسط كل الأكاذيب الأميركية البريطانية، هو صوت إيراني معتدل يقرن القول بالعمل ويتقدم للأمام خطوات لينزع فتيل الفتنة. أما العمل العربي السياسي المنظم داخل الولايات المتحدة فهو يلفظ أنفاسه، صعقته أحداث سبتمبر وما زال في غيبوبة.
آفة الأخبار
بعض الفضائيات تهرب من أحداث ساخنة إلى أخرى أقل سخونة، في صورة من صور الارتباك، وقناة “العربية” في تغطيتها لخبر إعدام صدام حسين، أنموذج على ذلك. وبعد الاستفاقة تستمر “العربية” في نهجها منذ “قيود” صفقة إعلانات الحكومة العراقية، وهو نهج أصاب غالبية المشاهدين الذين يبحثون عن قناة تحترمهم بالاستياء، فإذا كانت “العربية” حريصة على اسمها الذي اختارته، فيجب عليها أن تكون أقرب إلى الحقيقة لا إلى “الحقيبة”!