علاقتنا بالخرفان علاقة حدية، ليس لها عندنا إلا واحد من أمرين: إما العلف أو حد السكين. هي علاقة من طرف واحد يحكمها الإنسان. الله تعالى خلق هذه البهيمة لأجل عبده، ولن يناله تعالى من الأضحية إلا التقوى، وفي أيام عيد الأضحى المبارك بدت عين الخروف ذابلة، قبل الذبح وبعده، ومع موجة البرد والصقيع التي تعصف بمدينة الرياض ومختلف مدن السعودية صارت عين الخروف أكثر ذبولاً، لا ينافسها إلا أشعة شمس باهتة ضعيفة الدفء لم يتعود عليها سكان منطقة الرياض.
السنَّة التي تعودنا عليها في عيد الأضحى أن يتصدق الناس بجزء من لحم الأضحية للفقراء والمساكين، وجزء آخر يقدم هدية للأقارب والجيران، وهي قطعة لحم أيضاً، يهدى لك “يد أو جنب” مقطوع من خروف، فترد بهدية عبارة عن رجل خروف آخر، حتى لا يبقى لديك خروف مكتمل الأجزاء! ويهرب الناس من اللحم إلى اللحم، فتحضّر الأجزاء وتجهز ليتسلمها المهنئون أو بعضهم على الأقل، وربما أحضروا معهم بعضاً منها، وكنت ولا أزال لا أفهم أن يتبادل الناس هدايا متماثلة، وبعضهم أحوج إلى شيء آخر أبعد ما يكون عن اللحم والشحم، وعلى رغم أن نفراً من السعوديين أصبحوا يُضحّون بـ “الكوبونات”، ويسلمون مبالغ الأضحية لجهات خيرية، فتذبح أضحية نيابة عنهم، يوزع بعضها في الداخل وآخر في الخارج، إلا أن “الوصايا” التي أوصى بها المتوفون من الأقارب، في معظمها، تشدد على ذبح أضحية للمتوفّى طمعاً في التقرب إلى المولى عز وجل، خصوصاً في منطقة نجد، لذلك تكثر الأضاحي واللحوم، على رغم أن كبشاً واحداً يجزي عن محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله الطيبين وعن جميع أمته، وهي للحي أولى من الميت، وهذا أمر يعرفه الجميع، لكن قليلاً يعمل به، خصوصاً في مسألة الوصية… براً وانصياعاً لرغبة حبيب، وهو أمر يحتاج لوقفة من أهل العلم، فهل يجوز التعامل مع مثل هذه الوصية بحيث تنفذ في شأن آخر؟ فإذا كانت للحوم في عصر مضى قيمة أكبر بسبب الجوع والفقر، فإنها تغيرت والحمد لله، ورافق هذا التبدل تحذيرات من الدهون والكوليسترول وأمراض أقلها “النقرس”.
وعلى العكس من عيون الخرفان الذابلة المستسلمة تبدو أعين القطط في الأحياء مستبشرة متحفزة، تصول وتجول، فرحانة بوافر من اللحوم والشحوم، هائمة مع رائحة الدماء المتصاعدة، فلا تخاف من أطفال ولا من كبار، تقف على الأبواب منتظرة حصتها، وكأنها قد علمت أن ارتفاع كمية المعروض يجعل أصحابه يغمضون أعينهم عنها.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط