في الوعي

عند بروز ظاهرة سلبية ما على السطح، تبدأ الجهات الرسمية المعنية بمكافحتها، في تفتيت المسؤولية وإلقائها على المجتمع، هنا يتردد في معرض المواجهة الإعلامية الحديث عن الوعي ونقص الوعي وشكاوى عدم تعاون أو جهل من أفراد في المجتمع، ويستمر السجال إلى حين، ولأن المجتمع ساحة كبيرة عميقة لا حدود واضحة المعالم لها، هنا لا بد من أن تضيع في لجتها الحقائق، ونبقى في شد وجذب بين أفراد من المجتمع وجهات معنية أصلاً وموظفة لأجل هذا المجتمع.
من متابعة طويلة هذا ما لاحظته عند التعامل إعلامياً، مع ظواهر سلبية كثيرة، هو يقود إلى سؤال مشروع يقول: من المسؤول عن إنارة ظلمات عقل المجتمع حتى يصل إلى درجة وعي مطلوبة، من تلك الجهة أو في ذلك الشأن؟ فهل المجتمع  كائن عاقل، يفترض فيه أن يكون  واعياً وعلى دراية من الأصل، أم انه دائرة تتلقى دروساً يومية للتوعية وتخفق في استيعابها.
واستنتج أن مجتمعنا، لا هذا ولا ذاك، الأقرب أنه مجتمع لاهث يلحق بجهات رسمية هي أيضاً تلهث في اللحاق بظواهر سلبية تنشأ في كل فترة، هي جهات لا تستشرف المستقبل وليست لديها إدارات للتوقعات والخطط المستقبلية الحقيقية، وحتى لو كانت شرائح من هذا المجتمع هي السبب في نشوء ظاهرة سلبية ما، فلا توجد في المجتمع عين قادرة على الإحاطة والتركيز على تلك الظاهرة سوى العين الرسمية، فهي لا غيرها التي تتوافر لديها القدرات والصلاحيات، ولا يستطيع المتأمل أن يتذكر مناسبة واحدة تمت فيها توعية أو تحذير المجتمع قبل نشوء ظاهرة ما، بل أستطيع القول وقبل استفحالها، وبعد أن ترتفع الأصوات بالشكوى منها وتتعالى، والنماذج أكثر من أن تعد وتحصى، من الشأن الاقتصادي إلى الأمني مروراً بالصحي، ومشكلة عدد من الجهات الرسمية أنها لا تريد الاعتراف بظاهرة ما حال نشوئها، يعتقد البعض أن الاعتراف بوجود ظاهرة سلبية في هذا الشأن او ذاك إدانة للجهاز والعاملين فيه، وإعلان عن تقصيرهم، وهو ما لا يرغب فيه بل ربما، إذا خرج أحد واعترف سينال توبيخاً من رؤسائه، لذلك أنصح الإخوة الذين يتذرعون بنقص الوعي المجتمعي في هذا الشأن او ذاك بالحذر، فهم يتهمون جهاتهم بعدم القيام بواجبها من حيث لا يعلمون. وعي المجتمع يتشكل بحسب حاجاته والظواهر التي تنشأ عند سعيه لنيل تلك الحاجات، فمن الذي يقود هذه الحاجات ويؤسس لها بالأنظمة وخطط التطوير وما قد يواكبها، أليست أجهزة رسمية؟ وهي نفسها التي قد تسهم في استشراء ظواهر سلبية إذا ما أغمضت عينها فترة من الزمن عنها إلى أن تتضخم وتطاول مختلف شرائح المجتمع. الوعي الناقص الذي يتحجج به البعض هو ليس سوى إعلان عن قصور في القيام بالواجبات.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.