“يا حليلهم”

أشرت في مقال سابق إلى الفروق المجحفة في أسعار بعض المستلزمات الطبية، وضربت مثلاً بحاجات مرضى السكر، ما بين أسعار محال الجملة وما يجاورها من الصيدليات، التي أصبحت من كثرة فروعها ترقم بالأرقام، ولم أتوقع تحركاً على رغم أن “الحركة بركة”، ويظهر لي أن من يبحث عن البركة قليل، ووقفت أمام بائع صيدلي لشراء غرض، وقلت له ان في بعض الأسعار استغلالاً فاضحاً، فرد بلهجته المصرية: “دا مش استغلال، دا افترا”، لكنه بائع مأمور، لا تقع المسؤولية عليه. تقع على جهات رقابية سمحت لفئة قليلة جشعة بالافتراء وافتراس بقية أفراد المجتمع. وإذا راجعت أحوال جهات رقابية تجد عدد المديرين والوكلاء ورؤساء الأقسام أكثر من عدد المراقبين، وقد تتم المراقبة مكتبياً. وفي ما يتعلق بالدواء والغذاء يظهر لي أن الجهات الرقابية المعنية تنتظر الانتهاء من إنشاء هيئة الغذاء والدواء، وهي ما زالت وليدة. وفي تصريح لرئيسها المكلف قال إن نقل الصلاحيات يحتاج إلى خمس سنوات. ولست أعلم هل ستجمع التشريعي مع الرقابي أم ستصبح هيئة مواصفات جديدة؟ وإلى ذلك الحين… إذا تم في وقته، ونجح في تكوين هيئة لها هيبة وأثر، يستمر “التنفيع”، وترك مساحة فسيحة للعب على المكشوف، ولا يتحرك أحد، ويبقى الفرد في انتظار تحقيق وعود لا يعني الإعلان عنها أنها ستظهر للوجود.
وفي جانب القطاع الصحي الحكومي، أفترض أن إحدى العقبات أمام تطوره تكمن في أن معظم من يديره أطباء، مع احترامي وتقديري لكل فرد منهم، فإذا ما تفحصت الأسماء والمناصب، وهي إدارية بحتة، وجدت أن الأطباء يحتلون غالبية الكراسي، وكل يأتي بأبناء تخصصه، لأن الأقربين أولى بالثقة، المقياس شهادة طبية لكرسي إداريّ، ونفقد أطباء نحن في أمسّ الحاجة إليهم بسبب الطموح للكراسي، ولا أنسى أن طبيباً كان وزيراً في زمن مضى، سمح بفتح  نار الأسعار على المرضى، فأصبح القطاع الطبي الخاص مقصلة المرضى. إذا لم يتعرض المريض لخطأ طبي يتم نفض ما في جيوبه. وفي كل الأحوال لن يجد صدى لصوته، ولعل من المضحكات المبكيات ما نشر أخيراً عن القبض على مواطن، ذُكر لاحقاً انه مريض نفسياً، استطاع فتح معهد للطب الشرعي والعمل فيه لمدة سنتين، بشهادة طب قيل إنها مزورة. وكنت قرأت مشاركة إعلامية له، وقال كلاماً عن الأخطاء الطبية ولا أحسن منه، لم نسمع مثله من أطباء على كراسي إدارية أو تجارية! ويبدو أن هذه الآراء جعلت بعضهم ينبش في أوراقه، فلماذا لا ينبشون في أوراق أخرى؟
إذا كان المرضى نفسياً من هذه العينة وبهذه الغيرة، أقول “ياحليلهم”. في الحقيقة وجدت لديهم “توازناً وشعوراً إنسانياً” أكثر بكثير من المتاجرين بالطب أو الصامتين على المتاجرة به، فمرحباً بهم في هذا القطاع… النازف.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.