الملف المنسي

كل ما يدور حولنا من أخبار وتعليقات وتراشقات سياسية يشير إلى أن هناك مؤشرات حرب مقبلة في المنطقة، لا يُعرف مداها، ومع أننا متفائلون برحمة الله تعالى ولطفه، بأن يصرف عنا البلاء، ولا تقع حروب حولنا أو بعيداً عنا، إلا انه لا بد من الاستعداد، إذا عدنا إلى التاريخ غير البعيد، عندما اندلعت حرب تحرير الكويت، تذكرنا أياماً لا تنسى، هي أيام ما زالت بدقائقها مستقرة في ذاكرة كل انسان وجد في المنطقة الشرقية والرياض والحدود الشمالية للسعودية، شعور بالخطر مع قلة الحيلة، كان نصب صافرات الإنذار أمراً سهلاً… وتأخر! وعندما كانت الصواريخ تتساقط تساءل الناس أين الملاجئ، لم تكن هناك ملاجئ موفرة للسكان، وكان الملجأ بعد لطف الله تعالى اقرب عمود أسمنتي، أتذكر جيداً، طاقم تحرير مجلة “اليمامة” وهم يجتمعون كل مساء في حدود العاشرة مساء تحت “بيت الدرج” في المبنى الصغير في الرياض، عند اطلاق صافرة الإنذار، وزميل لبناني كان يحاول السفر ولم يتمكن فلا نسمع منه سوى صراخه “بدي فل”، وزميل آخر ضرب بعشرته مع عصفور أليف كان يؤنس وحدته عرض الحائط، فأودعه لدي وتمكن من السفر براً، أذكر أنني كتبت عن العصفور، أما التهديد الكيماوي فقد جرت معالجته “بلطمة شماغ وشراشف مبللة”.
عندما أصبح الصباح بعد تلك الأحداث الجسام جرى الحديث بصوت مرتفع عن ضرورة إنشاء ملاجئ، ثم اختفى الحديث بتراجع الخطر، انتهى الخطر مع الصافرة طيبة الذكر، فهل يتذكر احد منكم الآن لغة الإنذار بالخطر ما بين قرب وقوعه والحذر منه وتلاشيه؟ أشك في ذلك، أتحدث هنا عمّن بقي في البلاد، من عاش تلك اللحظات بتفاصيلها، خاف الناس في البداية من الصواريخ… ثم أصبحوا يصعدون إلى السطوح للفرجة عليها، إذ لم تكن هناك ملاجئ، فاستعاضوا عنها بالسطوح! أما من سافر و “هج”، فلا بد من انه رتب أموره هذه الأيام، ومن الطبيعي أن يتابع تطور الأحداث السياسية أكثر من أي شيء آخر.
القارئ الكريم عبدالرحمن التويم ينبه إلى حاجة ماسة لإنشاء ملاجئ في السعودية، ورسالته حرثت الذاكرة، واتفق معه، لا يعقل أن نعيش في بلاد حولها ما حولها من أخطار وأطماع وصراعات من دون ملاجئ، ولا بد من وضع اعتبار وأولوية لسلامة السكان، وتزداد الحاجة الآن مع أخطار الملف النووي، والحديث عن مواجهات محتملة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.