“القرد واللبن”

حكاية من الموروث عن تاجر يبيع اللبن، سولت له نفسه الضعيفة البحث عن الربح السهل الحرام، كان الرجل يقوم بخلط اللبن بالماء، نصف لبن والنصف الآخر ماء، لم تحدد الحكاية مصدره هل هو من الينبوع أم من مستنقع آسن، لأن القصة قديمة فلا صنبور في تلك الحقبة، استطاع هذا التاجر جمع الأموال، وقرر السفر إلى بلاد أخرى لجلب بضاعة وبيعها في بلاده، في ذلك الزمن لم تكن هناك طائرات ولا قطارات، كانت أفضل وسيلة هي السفينة، وصل التاجر حاملاً في يده صرة الدنانير الذهبية إلى الميناء، وما أن اقتربت السفينة واستوى بطل القصة فوق سطحها حتى هجم عليه قرد وخطف صرة الدنانير، وهرب إلى وتد على حافة الميناء وصاحب الدنانير في حسرة وحال يرثى لها، السفينة تبتعد رويداً رويداً وصرة الدنانير في يد القرد، في تلك الأزمان كانت القرود بنفس هيئتها التي نراها في حدائق الحيوانات وبرامج الحياة الفطرية، على خلاف ما نشاهده اليوم.
أعود إلى قصتنا الجميلة، فجأة فتح القرد صرة الدنانير وصار يرمي دينار على التاجر في السفينة وديناراً في الماء، دينار هنا ودينار هناك، حتى انتهى ما في الصرة من الدنانير فرماها القرد وولى هارباً وكأنه أنجز مهمته، تعجب ركاب السفينة من هذا المشهد والتفوا حول التاجر يعزونه في نصف ماله الذي غرق بفعل قرد طائش لم يحسن صاحبه تربيته إن كان له صاحب، أكْثَرَ ركاب السفينة الأسئلة على تاجر اللبن “المسكين”، كانوا يقولون له بمختصر العبارة “إيش الحكاية”، وهو عاجز عن الإجابة، حتى استعاد رباطة جأشه والسفينة تدخل عرض البحر ليجيب بعبارة صارت مثلاً، أجاب تاجر اللبن وهو يتأوه “ما جاء بالماء راح في الماء”، فذهبت مثلاً يردده الناس.
لكن قرود تلك الأزمان ليست مثل قردة هذا الزمان، كانت القرود القديمة منصفة، وشاهدنا هذا الإنصاف في الحكاية، قرود هذا الزمان تنهب الصرة كاملة سواء كان صاحبها بائع لبن مغشوش او موظفاً بسيطاً يكدح طوال عمره، إلا أن ما استدعى هذه الحكاية من الذاكرة لأضعها أمامكم ونتدبر في معانيها سوياً، خبر وصلني من موقع انترنت “معارض لدولة عربية” يقول إن مصارف عالمية صادرت أموالاً لرجل أعمال من أقارب رئيس الدولة بعد أن توفي واختلف أبناؤه مع زوجة أبيهم على المال وهو كثير.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.