طفاية الجوال

“إذا حصلت لي حادثة مرورية اتركوني يا جماعة لا تنجدوني”؟ بهذه العبارة يبدأ الطبيب محمد إبراهيم خليل رسالته، وهي رسالة رشيقة، مع أنها تحمل موضوعاً أورث المجتمع شقيقة في رأسه.
وقعت حادثة مرورية أمام الطبيب، نخلة مسكينة كانت تعمل بجهد على تنظيف الشارع من التلوث وتضفي جمالاً عليه، ارتطم بها سائق مركبة، واشتعلت النيران بالسيارة، ترجل الطبيب للمساعدة حاملاً طفاية الحريق، وفوجئ بالعشرات من المتجمهرين يصورون الحادثة بأجهزة الجوال! وقبل أن تصلني رسالة الطبيب، كان أحد الإخوة يخبرني عن حادثة مشابهة في طريق آخر، سيارة ارتطمت بمحوّل كهرباء مخلص في عمله واشتعلت وأشعلت المحوّل، وفيما صاحبنا يحاول الاتصال بالمطافئ لاحظ تزايد التجمهر وانشغال العشرات بالتصوير، ولا أحد يقدم النجدة!
ولأن النقد لن يفيد سريعاً في تغيير بعض العقول الفارغة إلا من ولع متأصل بنقل الحوادث إلى المجالس لتصدُّرها، فيصل طول اللسان إلى السقف، ولن يضيف إلى رؤوس لا يعمل فيها بجد واجتهاد إلا مضخة الرذاذ، لأن النقد لظاهرة سيئة موغلة في عدم الإحساس، تأثيره سلحفائي، بدأت أفكر في سبل للمعالجة، ولم أجد سوى اقتراح لمشغلي الهاتف الجوال وشركاته بأن يطرحوا بحكم “خصوصيتنا” على مصنعي الهاتف إنتاج جهاز جوال بطفاية حريق على طريقة “اثنان في واحد”، ربما يكتشف المتجمهرون للتصوير طاقات جديدة لديهم، في حين اقترح صديقي أن تبدأ المطافئ عند مباشرة الحرائق برش المتجمهرين لإعداد الميدان للعمل! لكن لو حدث ذلك في الصيف ربما يزداد عددهم، متيقن أنا أن بعضاً منهم سيجدها فرصة للاستحمام والتبريد، إذا ما كانت شبكة الماء مجففة في منزله. وكنت اقترحت على المرور مباشرة المتجمهرين بتدوين المخالفات، ولن أتحدث عماذا يستفيد المتجمهرون، لأني اعلم أنهم يحاولون منافسة الفضائيات، وهم يعلنون في الشارع للعموم خواء الذات، وتجد أنهم من مختلف الشرائح إذا تفحصتهم أو ألقيت نظرة على مركباتهم، ويمكن لي القول إنها من الغرائز الأساسية لديهم، إنها تدفعهم دفعاً، هي حمى متأصلة في المخيخ، فليس من رأى كمن سمع، والواحد منهم يريد جمع أكبر عدد من الآذان حول لسانه، ولأن المنافسة حامية فلا بد من تعزيز الحكاية بمقطع مصوَّر، وكثير منهم يحرص على هيئته الخارجية، ينزل من سيارته بكامل القيافة، ولا يفهم أن تصرفه هذا يدل على سلوك رث.
وأجزم بأن غالبية المتجمهرين حول الحوادث لا يعون شيئاً من أبجديات الإسعاف والنجدة، والأفضل ألا يمدوا أيديهم للمصاب، فربما يتعرض لضرر أكبر، وهو الأكثر احتمالاً، وهم بتجمهرهم يحدون من فرص نجاته، ويضايقون المسعفين، وفوق هذا هي تصرفات تدخل في بند عدم التحضر، بل قلة الأدب مع سوء الخُلق، التقاط صورة لشخص في مصيبة، هل تقبلها على نفسك؟ كأننا في غابة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.