امتازت قمة الرياض بالرصانة والابتعاد الواضح عن المزايدات والخطابات الرنانة الاستهلاكية، كانت بالفعل قمة عملية، فتغيير الواقع العربي أمر غير يسير إلا أنه ليس بالمستحيل متى ما توافرت العزيمة الصادقة، هذا التغيير يبدأ بإيقاف التدهور والتفكك السياسي العربي، واعتقد أن قمة الرياض قدمت لنا الأمل بوقف هذا التدهور، وهو الخطوة الأولى لتغيير هذا الواقع إلى الأفضل، ومن حسنات قمة الرياض أنها لم تخضع للضغوط الخارجية التي سبقتها ورافقت فعالياتها، هنا وضع المجتمعون خطاً أحمر، ونسفوا بإصرارهم محاولات عدة لاختراق القمة، وإجهاض التجمع العربي قبل انعقاده، جاءت هذه المحاولات من جهات غربية تقودها إسرائيل، وتفاعل معها الرئيس الليبي على طريقته.
وضعت القيادة السعودية خلافاتها مع بعض الدول العربية خلف ظهرها، لإنجاح خطة لم الشمل العربي، مقدمة قدوة في نبذ التوجسات المتبادلة بين أطراف عربية، لذلك كانت مطالبة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه أمام القادة العرب واضحة وشفافة حينما قال: “ولا ينقصنا إلا أن نطهر عقولنا من المخاوف والتوجس، فلا يحمل الأخ لأخيه سوى المحبة والمودة، ولا يتمنى له إلا الخير الذي يتمناه لنفسه”. وهذه رؤية عظيمة، هي من صفات المؤمن الحق والإنسان السوي.
ومن حسنات قمة الرياض أن الرئيس معمر القذافي لم يحضرها، فأسهم من حيث لا يريد في إنجاحها، ولأنه لا يستطيع الابتعاد عن بؤر الضوء حتى لا يصاب بالاختناق، حضر على طريقته المعتادة التي سئم منها القاصي والداني، ولم يعد يعيرها من في رأسه ذرة عقل اهتماماً يذكر، تخصص العقيد في التشويش ولم يجد فرصة لذلك في الرياض، فشوش في مكان آخر من دون أي اثر يذكر. ومن نافلة القول ان القيادة السعودية التي عرفت باحتضانها القضايا العربية، ليس غريباً أن تنجح قمة تقوم بإدارتها، ومن الواجب أن تشكر أمانة الجامعة العربية على جهودها، واعتقد أن هذه الأمانة محظوظة بالسيد عمرو موسى، فهو رجل صبور ومتفائل، ومن المضحك ذلك السؤال الذي طرحته مراسلة الـ “بي بي سي” في المؤتمر الصحافي على الأمير سعود الفيصل، إذ إنها تساءلت عن إشارة خادم الحرمين الشريفين للوضع في العراق وكونه يرسخ تحت الاحتلال، قائلة: هل هذا تغير في الموقف السعودي؟ وتناست هذه المراسلة أن الغزو الأميركي البريطاني الأسترالي للعراق تم بعد أن قامت هذه الدول بانتهاك مواثيق الأمم المتحدة، وبعد أن ضربت رفض هيئتها الأممية توفير المسوغات للغزو بعرض الحائط، تناست ذلك بعد أن استطاعت القوة العسكرية جعله أمراً واقعاً، يعاني منه المواطنون العراقيون أو من تبقى منهم.
قدمت قمة الرياض شمعة أمل للعقلاء الباحثين عن فرصة للخروج من نفق طويل مظلم، وينتظر المواطن العربي من القادة الذين حضروا وتبادلوا السلام والابتسام أن يحافظوا على هذه الشعلة ويتعهدوها بأحضانهم.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط