نزيف على باب الطوارئ

نحن بحاجة إلى دراسة مسحية علمية، تبحث في “تردي الخدمات   الصحية في مملكة الإنسانية”، أصبح نزيف هذه الخدمات الحيوية أمراً عادياً، إلى درجة أن تترك مريضة تنزف على باب مستشفى خاص، قرأت الخبر فشاهدت في مخيلتي رسماً كاريكاتورياً لهيكل عظمي يمد يده إلى باب الطوارئ… ولا يحصل سوى على (…)!
لأنها لا تملك المال والذي قدره “جباة الطب” بـ 50 ألف ريال، تركها الأطباء أمام باب المستشفى التجاري، ولا يعرف الإنسان ما هي قيمة القَسَمْ الطبي الذي أقْسَمَ عليه الأطباء والاستشاريون الذين عاينوا “الضحية” أمام باب مستشفى خاص شمال مدينة الرياض، قد يقال انه قرار إداري،  فهل يجب أن يخضع  أصحاب المستشفيات الخاصة وأعضاء مجالس إداراتها ومديروها للقسم أيضاً، إلا أن القضية ليست قسَماً لو تعلمون عظيماً، إنها قضية المال في مقابل الضمير، المال في مقابل أن تكون إنساناً، وماذا بقي من أخلاقيات طبية في كثير من المستشفيات التجارية وامرأة تترك أمام باب الطوارئ في المستشفى تنزف حتى الموت.
المستشفيات الخاصة في السعودية لا تدفع ضرائب ولا رسوماً، وربما تحصل على قروض وإعانات! وهي “تقحش” الأرباح من أسعار باهظة للكشوفات والتحاليل وملحقاتها، التي تبدأ ولا تنتهي، هي من يهندس الأسعار، ولا يُذكَر لها فعل خيري يتناسب مع دخلها الذي قد ينافس دخل البنوك، لا يذكر أنها فتحت أبوابها يوماً في الشهر للفقراء، ولا حتى يوماً في السنة، ولا يوماً منذ أُنشئت، فهل هي جزء أصيل من المجتمع “المتكافل”! أم أنها علق يتغذى على دمه؟
إذا وصلت إلى باب المستشفى الخاص فلا تعتقد أنك وصلت للإسعاف والعناية، فتش في جيوبك وجيوب أهلك “واللي خلفوك”، مقدارك هو على قدر ما تستطيع دفعه… مقدماً.
الحادثة التي وقعت أمام بوابة المستشفى الخاص شمال مدينة الرياض، توقظ الضمائر النائمة، وتنبئ عن أننا نقول عن مجتمعنا ما ليس فيه. المستشفى الذي يحرص على نشر “انجازاته” التسويقية في الصحف، تظهر حقيقته عند الحاجة. الشكوى لله تعالى وحده من المتاجرين بصحة البشر، أعلم تماماً أننا نعيش حالة “سكون” تام، يُكتب وتتعالى الصرخات ولا فعل يتناسب مع التردي. قد يقول قائل أين وزارة الصحة و “تعميم” لوزيرها يقول فيه للمستشفيات بضرورة استقبال الحالات الطارئة؟ أقول وبالله التوفيق: إن الوزارة الموقرة مشغولة بالمنتديات والمؤتمرات والندوات والشهادات التي تفد إليها من الخارج، تركت صلب عملها وصارت وزارة كرنفالات، وقص الأشرطة الحمراء والخضراء، وهي تعتمد على الفعل السحري لسوف… “سا”، نقوم بكذا وسنشيد كذا وسيتم كذا، وكان أن حصلنا على تمثال ضخم لـ “سا”، الفاعلون في الوزارة المسؤولة عن مراقبة الأوضاع الصحية شغلوا أنفسهم بموجة تسونامي من الفعاليات الصاخبة إعلامياً، غير المؤثرة عملياً، صلب عملهم الأساس وُضِعت له خطط استراتيجية من فئة “سوف”.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.