حتى نسد الثغرات

المواجهتان الأمنية والفكرية لتيار الإرهاب أهميتهما معلومة. هما عنصران مهمان لاجتثاث جذور خلايا الدمار، إلا أنهما وحدهما لا يكفيان. هناك نشاط امني حيوي واضح للعيان، ومحاولات للمواجهة الفكرية لم تصل للمستوى المطلوب، وحض مستمر على زيادة زخم المواجهة الفكرية وتعميقها. بقي عنصران لا يقلان أهمية، ولا يُؤتى على ذكرهما بقدر أهميتهما، إنهما الشق الاجتماعي، وتوأمه الاقتصادي.
الأفكار وحدها لا تستطيع تحويل الفرد إلى الفكر الإرهابي المتطرف، إنها لا تعيش في أوضاع اجتماعية واقتصادية جيدة ومبشرة. وعندما حذرت مع غيري، قبل سنوات، من تفشي البطالة بين الشباب، وشعور بعدم توافر العدالة الاجتماعية المنشودة، كنت في الحقيقة أحذر من توافر البيئة الحاضنة للإجرام والإرهاب. البيئة المشجعة على الفوضى.
كنا نشكو من البطء، فأصبحنا نشكو من السكون. وعلى رغم انك ترى إعلانات وفعاليات عن جهود حثيثة للتحسين والإصلاح وتوفير العيش الكريم للمواطن، إلا أن المتابع لا يرى نتائج واضحة لهذه الجهود تلامس حاجات أفراد المجتمع. وأسهمت الضربات الاقتصادية الموجعة التي تعرض لها المواطن والمقيم في تعميق الهوة، سواء في سوق الأسهم أو في شركات توظيف الأموال والعقار، وأدى ذلك إلى ترسيخ الإحباط والشعور بعدم الجدوى، والحقيقة المرة التي قد يحرص بعضهم على عدم البوح بها، حذراً من سوء الفهم والقصد، تقول بصريح العبارة إن الزخم الاقتصادي الذي يتم التحدث عنه، وتُفْرَد له الصفحات، لم يعد يؤثر ايجابياً في نفوس المواطنين. هناك شعور بالإحباط وعدم الجدوى. أَنْقِلُ هذه الحقيقة وأستند إلى متابعات كاتب يهتم بالشأن العام منذ أن بدأ في مهنة الكتابة. أستند إلى آراء وشكاوى وقضايا وتطلعات وآمال محطمة، تبدأ من البحث عن مستوى معقول من العيش الكريم، ولا تنتهي أحلامها بالوصول إلى أفضل المواقع، وهو حق مشروع للجميع.
كنا نشكو من ضائقة مالية في زمن مضى، مفهوم أسبابها، فلماذا لا نرى انفراجاً مع الوفر المالي والموازنات الضخمة؟ هل نعاني من مشكلة عصية في الإدارة؟
عندما تقبض السلطات الأمنية على 172 شخصاً بتهمة الإرهاب و20 مليون ريال، لا بد أن يصدمك الرقم، هو رقم كبير حتى ولو كان على دفعات، لذلك فإن الاهتمام الحقيقي بإصلاح الوضع الاجتماعي والاقتصادي يتوازى في أهميته مع المكافحة الأمنية والفكرية، كانت تطلعات مشروعة فأصبحت مطلباً ملحاً، وهذا لن يمكن القيام به إلا بمراجعة لكثير من الأمور، ومكافحة حقيقية وسريعة للفساد الذي قد يحرف مشاريع وأفكار ونوايا وتطلعات جميلة ومبشرة عن هدفها الأساسي لتتحول إلى منبع للمصالح الضيقة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.