في المجتمعات الاستهلاكية يتفاخر محبو التميز الشكلي بأمور عدة، خارج المنزل، تكون السيارة ونوعها ولونها هي احد مؤشرات التفاخر، حتى تصل إلى نوع “الجنط” الذي يفضل أن يكون مروحياً، أي على شكل مروحة تتحرك حتى عند وقوف السيارة، الهاتف الجوال أيضاً واحد من مظاهر التفاخر، نوعه ولونه والتغيير المستمر لموديله، هذا أمر معروف، إلا أن هناك نفخة كذابة جديدة أصبحت من مظاهر التفاخر العجيبة المضحكة حتى القهقهة، لم استطع فهمها.
تخيل أن هناك من يتفاخر برسوم أو تكاليف جراحات التجميل التي يقوم بها للأسنان أو للخدود و “البراطم” وهلم “نفخاً”، غالبية المتفاخرين من هذا النوع من النساء، تذهب الواحدة منهن إلى طبيب معروف، فيحدد لها سعر جراحة التجميل أو “التشطيب”، وما أن تتم الجراحة حتى تبث بين صويحباتها دعاية عما تكلفته بعد ضرب الرقم في أربعة أو خمسة، ولم اصدق مثل هذا السلوك حتى اخبرني احد الأصدقاء انه تردد في الذهاب إلى طبيب أسنان مشهور، بسبب أسعاره المرتفعة، لأن فلانة أجرت جراحة لديه بكذا! كان الرجل يريد إصلاح أسنان ابنته، قرر الذهاب إلى مركز طبي آخر، لأن لكل شيء حداً معقولاً يمكن ابتلاعه، ويفاجأ بوجود الطبيب نفسه يعمل لأوقات محددة في ذلك المركز، وبعد أن استفسر وجد أن كلفة الجراحة الطبية نفسها تصل إلى ثلث المبلغ الذي تعلنه صاحبة الدعاية أو أقل، تجرّأ الرجل وسأل الطبيب عن جراحة فلانة بنت فلان، وهل يعقل انه أجراها بمبلغ كذا، المفاجأة أن الطبيب اشتكى لصاحبنا من بعض “الزبونات”، وان سمعته شُوهت بسبب حب التفاخر بتكاليف الجراحات، وقلت لصاحبي إنها حالة فردية، رد علي بقوله إن الطبيب يقول إنها منتشرة، وأتعبته حتى تعوّد عليها.
والمضحك أن بعض المتفاخرات من المتعلمات، ولو كن غير ذلك لقيل إن السبب الأمية! لكنه جهل أصحاب الشهادات، وهو جهل منتشر.
وطلبت من صديقي أن يقترح على الطبيب “المسكين” فتح عيادة نفسية بجوار عيادته، بشرط ألا يعلن تخصصها، يسميها مثلاً عيادة التهذيب لمتابعة جراحات التشطيب، شكل من أشكال خدمة ما بعد التشطيب، ربما تجد فيها تلك الشريحة وعاء تضع فيه ما زاد عن الحاجة من “نفخة” المال.
وجود هذه الشريحة من الناس والنساء تسبب السعار في بعض العيادات الخاصة، فتتعامل مع الجميع على أنهم “منتفخون”، هذه الشريحة التي تجيد ضرب الأرقام ببعضها لأجل النفخة الكذابة أمام الزميلات والصديقات لا تعلم عن حالات الفقر التي يموت أصحابها لأنهم لا يستطيعون دفع أتعاب الأطباء والمستشفيات، هي جراحات ربما تبقيهم أحياء سعداء، وربما يعلمون عن حالات مثل تلك لكنهم لا يشعرون، يكاد الشعور في مجتمعنا ينقرض.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط