في احتضار الفقر

ألتمس من وزارة التخطيط والاقتصاد الموقرة أن تنظر بعين العطف واللطف والتخطيط، وتؤجل القضاء على الفقر قليلاً، القضاء على المدعو فقر خلال عامين فقط لا يمكن احتماله، لأنه سيُحدث آثاراً متشعبة، أقلها انه سيقضي على مستقبل كتّاب المقالات والصفحات والمشتغلين بالجمعيات، لا يعقل أن تستعجل الوزارة، هداها الله تعالى، وتعلن غضبها على الفقر، فتحدد عامين للفتك به.
كنت استغرب صمت الوزارة الموقرة الطويل العميق، فإذا بها تخطط بصمت للقضاء على الفقر، حتى تمكنت من تحديد الزمن اللازم.
هذا الحسم واليقين جعلني أتعاطف مع المسكين السيد “فقر”، إلى أين سيذهب يا ترى بعد العشرة الطويلة؟ هل يتم اعتقاله وسجنه في صندوق الفقر؟
دعونا نتخيل ونتقدم إلى الأمام، لنطالع المشهد بعد عامين، ماذا سنفعل نحن الكتاب، أترضى وزارة التخطيط أن نعاني من البطالة؟ بعض منا سيبحث في “خرم الإبرة” عن فقير، ولحسن التخطيط لن يجد أحداً، سيحاول بعضنا إقناع أفراد “اعترف انك فقير” ولن نجد تجاوباً، سنلقى ابتسامات “مسفهلة” وإشارات إلى مبنى وزارة التخطيط.
كنت استغرب صمت وزارة التخطيط و”الاقتصاد” التي لم يرتفع لها صوت في اكبر موسم للهزات الاقتصادية التي طاولت شرائح المجتمع كافة، وسمع بها سكان الواق الواق، وإذا بها معذورة، كانت مشغولة بالتخطيط للقضاء على الفقر، فكان الإنجاز بامتياز، خلال عامين لن تجد فقيراً، لكن على من سيتصدق الأغنياء؟ “أعطوهم فرصة يا جماعة”.
كنت استغرب من وزارة التخطيط والاقتصاد عدم قدرتها على احتضان “الاقتصاد” و”لم شتاته”، وهو جزء ما زال مفقوداً فيها ومنها، فإذا بها معذورة لكونها مشغولة بالتخطيط لخنق الفقر والقضاء عليه.
ثم انه ليس من اللطافة ألا يكون لدينا فقراء، على الأقل حدّدوا نسبة دنيا، فقير لكل مئة ألف أو مليون نسمة، لا يعقل أن يكون لدى المجتمعات “المتقدمة” فقراء ونحن من دون! حتى لا نضطر لاستقدامهم من الخارج، ماذا سيقول عنا الرأي العام العالمي؟ مجتمع من الأغنياء أو غير الفقراء، “وين نودي وجيهنا” هل نسافر “متلطمين”؟
على أقل تخطيط… نُبقي على فقير واحد، لندخل قائمة الأرقام القياسية، ونتربع على كرسي “البلاد التي لا يوجد بها سوى فقير واحد”، هذا أفضل من ناحية إعلامية “منشودة أو منشوقة”.
خلال العامين الماضيين زاد عدد الفقراء أضعافاً مضاعفة، فهل ستشملهم مكرمة وزارة التخطيط والاقتصاد أم سيتم طرحهم في اكتتاب؟!
 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.