السهم الياباني

على رغم ضيق عين الفرد الياباني إلا انه أوسع إدراكاً من صديقه العربي صاحب العين الأكثر اتساعاً، وهو أيضاً أغزر إنتاجاً وإثراء للحياة والبشرية، إلا أن ما يميز اليابانيين عن غيرهم خصوصاً أصدقاءهم العرب، أن بعضاً منهم يستقيل من موقعه الوظيفي إذا ما أخطأ في القيام بواجباته، ويتجاوز الأمر عند جزء من ذلك البعض إلى… الانتحار! أما عند العرب فإن الانتحار يكون بالحرص على الاستمرار! كأن العيون الواسعة لا ترى شيئاً.
جالت بذهني هذه الخواطر وأنا اقرأ عن ندوة تجربة الأسهم اليابانية… هدف هذه الندوة، أن يستفيد منها المستثمر السعودي! أقول وبالله التوفيق نريد من هذه التجربة، أموراً رئيسية، منها على سبيل المثال لا الحصر، المحاسبة اليابانية، والرقابة اليابانية والشفافية اليابانية، والاستقالة اليابانية، بمعنى شيء من التجربة اليابانية الحقيقية، أما طرق البيع والشراء، وأساليب الخبراء في “الكر والفر” على شاشات التداول والتوزيع الأنسب للمحفظة المالية، تعظيماً للأرباح وحدّاً من الخسائر، فاتركوها للمستثمرين. الوضع الذي تعيشه سوق المال السعودية لم تنفع معه العيون الواسعة الجاحظة، فكيف بعيون يابانية، رحم الله الجاحظ، لو كان أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ حياً يرزق لأضاف فصلاً إلى كتابه “البرصان والعميان”، خصصه “للسهمان”، أي القوم الذين إصابتهم سوق الأسهم في مقتل، وفصلاً آخر “للتحشان”، وهم القوم الذين تحاشوا القيام بمسؤولياتهم لمواجهة موجات “التنفيع” المستمرة على حساب الضعفاء، وملحقاً ملوناً على طريقة الجاحظ عن شخصية “البطران”.
لم يكن المستثمر الصغير البسيط، هو المحتاج للتوعية بقدر ما كانت أجهزة رسمية بحاجة إلى الرقابة والمحاسبة، أضف لذلك عدم وجود تحرك فعال للقضاء على تداخلات في الصلاحيات وفجوات أوجدت بيئة ضبابية تنفذ من ثغراتها العفاريت، لترفع أفراداً إلى فوق على حساب المجموع، الذي يغرق في أعماق الفقر المدقع أو المطلق “اختر ما شئت”! ثغرات إلى درجة جعلت جهة رسمية تقول إن علاوات الإصدار مبالغ فيها ثم تصمت، وكأن الغرض “حبات مسكن” لوقف ارتفاع الصراخ.
 عرضت فكرة المقال على صديقي الذي أتحاور معه “أحياناً” قبل الكتابة، تساءل الصديق عن علاقة اتساع العيون بسعة البطون، ونحن جميعاً نعلم أن للعيون طريقتها في الأكل، فإذا كانت واسعة من الطبيعي أن تكون أكثر نهماً، والنصيحة للأصدقاء في اليابان أن يتوقفوا عن عمليات توسيع العيون التي اجتاحت مجتمعهم، لا يعقل أن يتخلوا عن إحدى ميزاتهم النسبية، ومادمنا اتفقنا على أن العيون نهمة جشعة بحسب اتساعها، وتذكرنا ما نعرفه عن “سعة الوجه”، و “سعة الذمة”، وآثارهما، نستنتج، والله تعالى أعلم، أن العيون التي في طرفها أنانية، واسعة كانت أم ضيقة، لن يوقفها عند حدها سوى المحاسبة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.