توقف كثير من مشاهدي التلفزيون السعودي أمام ابتسامات أحد المشاركين في الجريمة الإرهابية التي استهدفت المنشآت النفطية في “بقيق”، على رغم أن عضو التنظيم الذي سلّم نفسه للسلطات الأمنية كما ورد، كان يتحدث عن مشاركته في حدث عظيم سيجر من الويلات والمآسي على البلاد بما لا يمكن تخيله… إلا أنه كان يبتسم! قد تكون تلك الابتسامات المتكررة من سمات عضلات الوجه اللاإرادية التي لا تعبر حقيقة التعبير عن تأثر صاحبها بما شارك فيه، لست أدري، ابتسامة أخرى لمشهد صوره أفراد الخلية يظهر فيها عنصر آخر يتحدث عن انتظاره الفتح العظيم وهو يبتسم أيضاً ابتسامة مريحة، “كأنهم في كشتة برية”، ولم ير المشاهد صورة عميقة من صور الندم للمعترفين تتناسب مع هول الجريمة، فما هو الأثر في المتلقي يا ترى؟
الحقيقة أنني أوجِّه اللوم هنا لأسلوب المعالجة، وجدت أن المعالجة الإعلامية لقضية “خلية النفط” الإرهابية واعترافات مجموعة الدعم والمساندة، اعتراها العديد من أوجه القصور، اقصد بالمعالجة ذلك البرنامج الذي تم بثه في القناة الأولى من التلفزيون السعودي الأسبوع الماضي، ونشرت الصحف تغطية واسعة عنه، واحتوى على اعترافات بعض المشاركين في التنظيم الإرهابي الخطر.
لا بد أن لبث البرنامج بما احتواه من اعترافات أهداف عدة يراد تحقيقها. الوصول لهذه الأهداف سيحقق تعرية الإرهاب أكثر فأكثر، لمعالجة أفهام بعض المشككين والمراوغين والنائمين، بما يتضح معه خطره على الجميع، حتى يصبح الإرهاب وفكره وأهدافه وأدواته أفعالاً منبوذة ومحاربة من المجتمع بكل شرائحه، فيتم حشد تأييد أكبر داخل المجتمع ضد خلايا الإرهاب سواء النائمة منها، أو تلك المتوقع أن جهوداً حثيثة تسعى لبناء الجديد منها، فهل تم تحقيق هذا الهدف بصيغة البرنامج تلك؟
من الفجوات الكبيرة التي توسطت برنامج خلية النفط التلفزيوني افتراضه “المخل” أن مشاهد عملية “بقيق” الإرهابية وأحداثها ما زالت “طازجة” في ذهن المشاهد، على رغم تقادم العهد وكأنها حدثت بالأمس، ومعلوم أن عملية “بقيق” الإرهابية حدثت قبل أكثر من عام، وجرى بعدها أكثر من مواجهة أمنية، كان الأجدر والأبعد أثراً وضع المشاهد وسط الحدث بكل تداعياته بدلاً من تلك اللقطات التائهة، بعضها لم يوظف التوظيف الفني الصحيح، وبعض آخر لا حاجة له، من هنا وهناك كانت الرسالة الإعلامية المبثوثة مبتورة ويعتريها اضطراب في البوصلة، وإذا كانت المطالبة ملحة لزيادة زخم مواجهة الفكر الإرهابي بالفكر الصحيح، فإن الإعلام هو الأداة الأولى لمثل هذه المواجهة، لذلك فإن وزارة الداخلية المعنية بهذا النوع من البرامج مدعوة لإعادة النظر في المستوى النوعي الفني لهذه الجرعات الإعلامية، وهل تحقق النتائج المرجوة لنصل إلى حقيقة الأثر الذي تتركه في المشاهد في حربنا الطويلة ضد الإرهاب؟
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط