في الشق…

أصبح كبر الشق وصغر الرقعة أكثر التعليقات تداولاً بين القراء، والشق هو الثقب مع أنه بلهجة بعض أهل البادية يشير إلى جزء من الخيمة شريطة كسر حرف الشين، وأول ما عرفنا الشقوق في الجدران والسقوف أيام الطفولة كانوا يسمونها “جخور” من “جخر” جعلك الله تعالى “ذخر” لهذه الأمة المعطاءة.
كانت تلك الشقوق مأوى ومسكناً، العلوية منها للعصافير الجميلة والسفلية للقوارض القبيحة، وشتان ما بين العصافير والفئران، الأولى تخرج للحياة مستبشرة مع خيوط الفجر تزقزق بصوت عال واثقة من حلال رزقها في ضوء النهار، والثانية “تسعسع” في الظلام بحذر وخوف كما اللصوص، وكلما كبر حجم الشق كبر معه حجم “المعشعش” بداخله. فإذا أُهملت الشقوق السفلية، تفاجأ صاحب المنزل متأخراً بأن الفئران تطورت إلى جرذان.
لم تكن الشقوق، في ذلك الوقت تثير اهتماماً، اللهم إلا إذا كانت في السقوف، فحذراً من تسرب مياه الأمطار كانت “تلطس”، أي يسد الشق بعجينة من الطين والتبن، وهي من “لطس” باللهجة الشعبية، في لسان العرب “اللطس” هو ضرب للشيء بالشيء العريض.
ثم عرفنا “الشق” في كرة القدم ونحن أطفال، عندما “تنسم” الكرة أي يخرج الهواء منها، ما يعني أنها أصيبت بشق، بحيث لم تعد تصلح للعب بها، وهنا يأتي دور الرقعة، والكرة “المرقوعة” بائن رقعها، تجده واضحاً مثل ورم احمر يبرز قليلاً عن محيط الكرة ليسبب عدم اتزان في حركة سيرها بين اللاعبين، فيصاب “الحريفون” أي المهرة منهم بإحباط وربما يمتنعون عن المشاركة. لم تكن تلك الرقعة مخصصة لكرة القدم، لكنها استخدمت كثيراًً لهذا الغرض، لأنه لا يوجد غيرها، ليس إلا.
لاحقاً اكتشف الأطفال بعد تعارف محدود مع “السياكل” أي الدراجات الهوائية، أن إطاراتها تتعرض للثقوب أيضاً، ويتم رقعها برقعة كرة القدم نفسها، في حين كان أطفال الأغنياء، لا يرقعون الكرة القديمة بل يشترون واحدة جديدة.
لكل شق رقعة مهما كبر حجمه، المثل الشعبي يقول “حلاة الثوب رقعته منه وفيه”، إلا أن من الأهمية بمكان تحديد ماهية الشق ونوعه وأسبابه، وكيف تم حدوثه ليتم بعناية اختيار الرقعة المناسبة، لئلا تتحول بعد فترة قصيرة إلى منطقة ضعف يخاف أن “تنسم أو تفش” في أية لحظة، فلا يعرف صاحب الشق متى يأتي منها الخطر، ربما يعود إلى الثوب أو الإطار في لحظة حرجة، حمانا الله تعالى وإياكم من كآبة المنظر! “طراها” كبر الشق وصغر الرقعة ليس إلا.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.