ليعذرني الإخوة القراء عن عدم الرد على رسائلهم، على الأقل هذه الأيام، لكثرتها ولنفاد مخزون الرد لدي! وهي رسائل امتلأت محبة. لهم ولأصدقاء آخرين أرسلوا أو اتصلوا أقول: “القلوب شواهد”، وهو قول شائع في السعودية يشير بعمق واختصار إلى أن المودة والثقة أيضاً متبادلة، في القلوب قد استقرت، أما المضمون ففيه جواهر من الشكر والامتنان.
وعلى العكس من آخرين أنظر غالباً إلى نصف الكأس الفارغ، ليس لفراغ في العين ولا القلب ولله الحمد والشكر، بل هو الطموح والثقة بقدرات وإمكانات متعددة متنوعة تزخر بها بلادنا، وهي قادرة بحسن التدبير على أن تطرد الهواء، والفراغ من نصف الكأس ليصبح ممتلئاً بل يفيض وزيادة، فيرتوي منه الجميع، هذه النظرة إلى مساحة الفراغ في الكأس مردها إلى أن التركيز على النصف الممتلئ بدعوى القناعة غير صحيح، بل ان فيه ضرراً وخطراً، أقله الركون إلى الدعة والتراخي، فتصبح كأس الماء حقيقة نصف كأس، ليتحول مستقبلاً إلى ربع الكأس الممتلئ، فتنخفض قدرته على الإشباع ويقل عدد من يروي عطشه منه، وكأنها تقلصت وانكمشت لتتحول إلى صحن صغير.
وقد يأتي وقتها أحد المتحمسين، إما بدعوى القناعة أو المزايدة! ليطالب بتدقيق النظر في ما تبقى من الكأس ويصيح صيحة مكتشف بأنها ليست فارغة بالمرة! مستغرباً أن ترتفع الأصوات بهذه الصورة. ودليله ما تبقى فيها من الماء حتى لو كان رشفة واحدة، انصب كل تركيزه عليها، وربما لا مانع لديه من أن “يلطها” أي يشربها هو وحده، ويقول لمن حوله بعدها “كل شيء تمام”.
إن النظر إلى النصف الفارغ من الكأس والكتابة عنه كلما كان ذلك مفيداً فيه محاولة للحفاظ على النصف المتوافر أولاً، والفائدة هنا من الكتابة عنه تأتي من أنها تشخص تلك الفجوات في مساحة الفراغ، وتبحث في أسبابها ونتائج استمرار وجودها مستقبلاً، فتقدم الحلول من خلال طرح أوجه القصور ووضع الأصابع عليها.
هذه الرؤية لواجب الكتابة واستمرار الطرح عن قضايا عدة لها الأولوية، لمساسها بالإنسان وحاجاته المتزايدة هي أيضاً في المحصلة النهائية عنوان الثقة بوجود الإرادة لوضع الحلول وتوافر إمكان اللجوء إليها للإصلاح وتحقيق الطموحات، وفيها أيضاً إشارة إلى عدم السقوط في هاوية اليأس أو الإحباط والعياذ بالله تعالى منها، لا في نفس الفرد أياً كان ولا في نظرته وثقته بمحيطه الكبير، بل هي عنوان الثقة بالقدرة والرغبة في التمام.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط