صديقي “الممشوق”

في الحقيقة هو “مربوع” الجسم، ليس رشيقاً ولا بديناً، ولكنه ممشوق من “المشق”، وهو باللهجة السعودية الشعبية حال مرضية تصيب الجلد، خصوصاً ظهر اليدين، وربما يطاول الأرجل والركب أيضاً، ينتشر في فصل الشتاء لدى الأطفال الأشقياء، بسبب الرطوبة وقلة النظافة واللعب في الشوارع، فتصبح على الجلد طبقة سميكة حرشاء لونها اقرب للسواد، يعاني من يصاب بها من الحكة المستمرة وتقشّر الجلد، هذا الصديق له “طلعات” لا تخطر على البال، في جوهرها سخرية لذيذة عفوية غير مصطنعة، منها على سبيل المثال انه تذكّر مرة “روح الموز”، وهو زجاجة صغيرة فيها مركّز لطعم ورائحة الموز، شاع استخدامه في الطبخ عندما كان الموز الطازج عزيزاً، وتذكّر بلذة كيف كان وهو صغير يختطف الزجاجة التي تخفيها والدته رحمها الله، ليستمتع بشم تلك الرائحة الغالية، وتركّز الخلاصة فيها يجعل رائحتها الساحرة مشابهة في الأثر لروائح كيلوات من الموز الناضج، يجلس صديقي في “بيت الدرج” يشم الزجاجة من دون فتح غطائها، مثلما يشم بعض المدمنين هذه الأيام أنواعاً عدة من المركبات الكيماوية، والفارق كبير، فروح الموز لا يضر بعكس تلك “المنشوقات” التي تتسبب بتلف خلايا الدماغ، على اعتبار ان هناك دماغاً أصلاً!
ذكريات صديقي “الممشوق” عن روح الموز دفعتني إلى الإسراع بنشر كتابي “لا تَرْمِ قشر الموز”، أما آخر طلعة من طلعاته التي أضحكتني فأحببت مشاركة القراء فيها لطرافتها، فهي انه سافر إلى دولة اسكندنافية، ومعلوم ان سكان تلك البلدان معروفون ببياض البشرة الناصع، وصاحبنا “ممشوق” سابقاً، وآثار “المشق” ما زالت مثل الندوب على ظهر كفي يديه، وذات يوم قرر الصلاة في أحد المساجد، وأثناء الركوع والسجود اختلس الشيطان من صلاته فنظر يميناً ويساراً، ولاحظ الفرق بين لون جلد يديه وأيدي المصلين بجواره، وكلما سجد مع الأمام ركّز النظر وتفحّص تلك الفروقات التي تصلح للإثبات في جواز السفر على انها علامة فارقة، وصار يقارن ويتفكر، ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، إلى ان انتهى من صلاته.
ويروي صديقي الممشوق ساخراً انه فكر بجدية واستنتج أن هذه البلاد التي تختفي فيها سطوة الشمس ويتلاشى الغبار، هي أفضل مكان لإصلاح ما أحدثه الدهر على جلده، وقرر المكوث فيها لأشهر ليرى النتائج، ثم فكر في كيفية معرفته للتغير الذي يمكن ان يحدث له، لأنه سيراقب لون وشكل جلد يديه في كل لحظة من الأشهر، ولا بد من معيار ومقياس محايد يمكن ان يثبت النتائج، عندها خرج بحل طريف، وهو ان يرسل الى أحد أصدقائه من الجماعة طالباً إرسال “ضب”، الحيوان الزاحف ما غيره، بالبريد السريع، ليمكثا سوياً، فإذا أصبحت عكرة الضب ملساء فهي الدليل على ان حال جلد صاحبنا تحسنت.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.