أراها مهرولة مسرعة في عدد من القطاعات الحكومية وسببها ندرة التوظيف، كثير من الجهات الحكومية من وزارات وغيرها لا تستحدث لها وظائف جديدة، يتم هذا منذ سنوات التقشف ليستمر في سنوات الفائض، والمشكلة التي ستكتشفها الجهات الحكومية في السعودية مستقبلاً، هي تناقص أعداد صغار الموظفين التنفيذيين ودورهم في غاية الاهمية. ومع تقاعد عدد لا بأس به من الصفوف المتقدمة من الموظفين ذوي الخبرة والمراس الوظيفي، فإن هناك خبرة وظيفية متراكمة ستتبخر.
عدم استحداث وظائف جديدة في كثير من الأجهزة الحكومية، هو المشجب الحالي الذي يُعَلَّق عليه كل تقصير أو نقص في تقديم الخدمات، لأن قولهم: “البند لا يسمح” لم يعد مقنعاً لأحد. البند حالياً في أحسن حالاته، حتى اشتقت لأن اسمعها من مسؤول مثلما كنا لا نسمع سواها في مرحلة سابقة. هناك رأي آخر يقول إن الجهاز الحكومي يمكنه أن يقدم خدمة أفضل بعدد اقل من عدد الموظفين الحاليين، بمعنى انه يشكو من ترهل، وتشوبه البطالة المقنعة. نوعياً، هذا الرأي فيه صحة، لكن عدم استحداث وظائف جديدة طوال السنوات الماضية، يفيد بأن الجهاز الحكومي يعمل بموظفين أقل، مع استمرار أداء غير مُرْضٍ. والدليل اختناقاتٌ وبطءٌ في أكثر من قطاع.
الجانب الآخر لِمَا أود الإشارة إليه حتى يلتفت إليه المختصون، هو جانب تدوين الخبرات. الخبرة في الجهاز الحكومي إجمالاً تكتسب بالاحتكاك بين الموظف الجديد، وزميله الأقدم تجربة إذا قدمها الأخير عن طوع، أو قد تأتي بالاجتهاد. من النادر أن تجد لوائح منظمة واضحة المعالم يعود إليها الموظف الجديد، لسرعة فهم طبيعة العمل واكتساب الخبرة، إنها متناثرة هنا وهناك في تعاميم أو قرارات، وربما تكون في رأس موظف مخضرم يقبع في مكتب خلفي. طبيعة العمل والخبرات واللوائح لم تُمَنْهَجْ في أدلَّة تُسهِّل على الموظف الجديد الاسترشاد بها. والخبرات هي من حق الجهاز الحكومي، إلا أن كثيراً من الموظفين يتقاعدون والخبرات في رؤوسهم. في بعض الإدارات يضطرون إلى تمديد سنوات عملهم بسبب الحاجة، أما إذا تقاعدوا فستذهب معهم الخبرة التراكمية إلى خارج الجهاز الحكومي. ويروي لي أخ كريم أنه عندما تسلّم إدارة عامة في جهاز حكومي مهم علاقته بالجمهور كبيرة ومتشعبة لم يجد خبرات أو لوائح مدونة واضحة المعالم، تُبَيِّن كيفية التعامل مع كل حالة، ليستطيع البناء عليها، لذلك اضطر إلى أن يبدأ من جديد. الواقع يقول إنه إذا كان المدير أو رئيس القسم مهتماً بعمل الموظف الجديد فليس لديه إلا صور الخطابات التي أصدرتها الجهة ليقرأها ذلك الموظف حتى يتمكن من التعرف على طبيعة العمل.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط