طيور الوباء

لا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يمكن البحث عن الطيور المخالفة إلا بالطيران فوق أوكارها، من هنا لجأت “زراعة” منطقة مكة المكرمة إلى الطيران، بحثاً عن مزارع دواجن مخالفة، وعلى رغم مخالفتها ولأن الأصل التيسير على المستثمرين فسيتم السماح لهم، بعد التأكد من سلامة دجاجهم، بالتصريف يوماً واحداً، ومن ثم تتلف المزارع لأنها مخالفة، ولا تعرف ماهية المخالفة. هل هي عدم الترخيص؟ أم سوء حال المزارع ومنتجاتها؟ إذاً ما الفرق بين المخالف وغير المخالف؟ لكن سيتم التصريف من صرف يصرف علينا. اللجوء للطيران تقدم نوعي هو أيضاً دليل على توافر خريطة واضحة المعالم لصناعة الدواجن وقدرات رقابية “مشهودة” لملاحقة المخالف منها.
يطرح الأخ أحمد الشهري رأياً وجيهاً، هل الطيور المهاجرة لا تحط إلا في أراضي السعودية؟ أحمد يعلق على اتهام الطيور المهاجرة الدخيلة على طيورنا البريئة المغرر بها، بالتسبب في نقل مرض أنفلونزا الطيور، ليسأل لماذا لم تظهر حالات في دول مجاورة تتوافر في بعضها موارد طبيعية أفضل مما يتوافر في صحارينا؟
ربما هي تبحث عن عمل يا أحمد، تعرف أن فرص العمل متوافرة في بلادنا للطيور المهاجرة فيما الطيور المحلية داخل الحاضنات للتفقيس. تساؤل القارئ العزيز ولّد سؤالاً آخر: لماذا تستهدفنا الطيور المهاجرة؟ فتنقل وباء لنا نحن وحدنا، الله يرحم سلامة العبدالله “يحول أنا من بدت الناس يحول”. قبل محاولة الإجابة تفحصت في كتاب “الطيور البرية والمهاجرة” للأستاذ محمد اليوسفي خريطة تنقل هذه الطيور، وجدت أنها تطوف على سواحل السعودية، وهناك خط وحيد تسلكه يخترق وسطها، فيما خطوط طيرانها تغطي بكثافة سماء الجيران!
إذا أخذنا بالرؤية المعلنة والتي يجري تخفيفها حالياً القائلة إن الطير المهاجر هو سبب الوباء، نعيد طرح السؤال، لماذا تستهدفنا الطيور المهاجرة؟ أظن – والعلم عند السميع البصير – أنها تنتقم بسبب فئة منا اعتادت على الكمون المبرمج سنوياً لقطع الطريق على هذه الطيور والإسراف في صيدها. لا بد من أن هناك طيوراً قتلت من دون حق، وبعض منها صار يتيماً أو أرملاً، ربما أصابت بعضها إعاقة. حق صيد الطيور هو أكلها، لا التفاخر بعدد “المقنوص” منها. ومن المعروف أننا من المكثرين في استخدام بنادق الصيد، فهي أول سلاح  يتدرب عليه المراهق، من “الساكتون” أو “أم صتمة” إلى “الشوزن” و “الخرازة” وغيرها. إذا أخذنا برؤية مسؤولية الطير المهاجر، واستبعدنا المؤامرة “العلفية”، وسوء أوضاع عدد من مزارع الدواجن “المكشوفة”، فإن الطيور المهاجرة تنتقم سنوات طويلة من الصيد الجائر، وكأني بها في مشهد خيالي تلاحق صياديها، وهم – خوفاً من الأنفلونزا – يهربون متلثمين… فأصبح الصياد طريدة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.