مسكين هذا المجتمع

الحوار الذي نشرته “الحياة” مع وزير العمل الدكتور غازي القصيبي استدعى للذاكرة إشارات من حوار قديم قبل سنوات طويلة نشرته مجلة “اليمامة” مع وزير تخطيط اسبق، مما علق بالذاكرة من ذلك الحوار القديم رؤية التخطيط المستقبلي وقتها، ملخصها ألا توجّه لتوفير مقاعد جامعية لمعظم خريجي الثانوية، وضرورة انخراط أعداد اكبر في التعليم المهني. كانت لذلك الحوار ردود فعل داخل المجتمع لم ينصت لها. النتيجة… لا حصل الخريجون على مقاعد في أطول اختناق جامعي تاريخياً، فجلس بعضهم في المنازل فيما تفرق آخرون أفراداً وجماعات على جامعات الدول المجاورة، مع حداثتها واستغلال بعضها، ولم تقم قائمة للتعليم المهني والفني في البلاد. ومع ذلك يتهم “المجتمع” أو السعوديون بأنهم يقذفون بأبنائهم إلى الشوارع بعد المرحلة الابتدائية أو الثانوية، أو في حال الحصول “بواسطة” على مقعد جامعي لينخرطوا في كليات نظرية… تشبعت السوق من خريجيها، ومثلما تساءل وزير العمل عن دور الأسرة السعودية أضاف إلى لائحة اللوم والمتسببين في المعضلات كلاً من نظام التعليم العام والجامعي ليصل إلى نتيجة انه لا يستطيع تغيير عقلية المجتمع. عند هذه الجزئية من الحوار أتوقف، لأطرح سؤالاً يقول: من الذي صاغ المجتمع وعقليته لتتشكل بالصورة الحالية؟ ولنحصل على النتائج الماثلة أمامنا و “فيها ما فيها” من معضلات، أليس هناك دور لخطط التنمية في تلك الصياغة؟ ومن عمل على إعدادها ثم تنفيذها بالصورة التي نفذت بها، كل في قطاعه ومن بينهم الدكتور غازي في السكة الحديد ثم في الصناعة وآخرها الصحة؟ لماذا تلقى اللائمة على الأسرة السعودية وليس هناك أمامها سوى نظام التعليم العام، الذي أشار وزير العمل إلى سلبياته، “وتتمخش” ركب أولياء أمور بعض تلك الأسر… وهم يسعون “حبواً” للحصول على مقعد جامعي لأبنائهم وبناتهم، والتعليم الجامعي… أصلاً بتلك الصورة التي ذكرها وزير العمل. إن من الظلم تحميل المجتمع و “عقليته” أوزار هذه النتائج الخططية، وتصويره على انه السبب الأول، وهو منقاد تطبق عليه الخطط والتجارب ويقوم عليها مسؤولون من أصحاب شهادات عليا من جامعات عربية وغربية متقدمة وكأن هذا المجتمع فرض أسلوب التعليم العام والجامعي على نفسه وعلى جهات التعليم والتخطيط، كأنه اختار التخصصات وحددها ومنع بعضاً منها وأسهم في تسرب أبنائه، كأن هذا المجتمع هو من حدد شكله ومضمونه الظاهر للعيان الآن، ثم صار يرفع صوته بالشكوى من معوقات هي من صنعه! مسكين هذا المجتمع أصبح وعاء لإلقاء المسؤوليات، ولا احد يتحدث عن مسؤولية من تعلّم في دول متقدمة وتولى مناصب قيادية وتنفيذية ولم يستطع تطبيق بعض مما عايشه هناك.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.