صور من الحج

يحمل الحاج همومه معه إلى المشاعر المقدسة في مكة المكرمة، فَيُكْثِر من الدعاء إلى العزيز المنان، الحجاج من لبنان، مثلاً، تضرعوا بالدعاء إلى الله تعالى لإنهاء أزمة كرسي الرئاسة… المستطيلة! مشكلة الساسة هناك أنهم لم يستطيعوا… أن يكونوا لبنانيين مئة في المئة، وفي أعماق أداء جموع الحجيج للفريضة صور جميلة ومواقف أكثر جمالاً، هي مخزون ثري للعمل الإعلامي، توقعت أن تقوم قناة “الجزيرة” وهي تحضر للمرة الأولى لنقل الحج بتقديم شيء مختلف، ولم أجد فرقاً عن قنوات أخرى، أما السعودية منها خصوصاً وهي تختزن تجربة إعلامية تراكمية في الحج فما زالت على “طمام المرحوم”، الزميل الكاتب محمد السحيمي في “الوطن” أجاد في نقد ذلك قبل أيام بأسلوبه اللاذع.
من أجمل صور الحج التي شاهدتها، صورة رجل الأمن السعودي وهو يحمل طفلة تائهة، من مشكلات الحج الدائمة التيه، لكبار السن والأطفال، لذلك شُيدت مواقع للحجاج التائهين وللأطفال، تذكّر اختلاف اللغات والثقافات، وضيق وقت أداء المناسك، وارتباط الحاج بمجموعات ورحلات لتعلم صعوبة الأمر، عثر رجل الأمن على الطفلة التائهة صباح يوم عرفة، واستمر يحملها إلى الساعة الواحدة من فجر يوم النحر، إذ رفضت الطفلة “عمرها سنتان” أن توضع في مركز الأطفال التائهين، وتشبثت به، رقّ قلب الرجل فاستمر في حملها. وعلى شاشة إحدى القنوات مقابلة مع حاج عربي أحضر ابنته العشرينية للحج وهي تعاني من تخلف دماغي، شرعاً هي غير مكلفة، ونقلها والعناية بها وسط الملايين غاية في الصعوبة، مشهد آخر نقلته “الحياة” لحاج روسي عانى من أزمة نفسية، فحاول الانتحار بالقفز من بناية إلى أن تمكن الأمن من إنقاذه ونقله إلى المستشفى، أما الحاجة العراقية نورة الشمري، فكان لها في الحج عيد إضافي، إذ التقت بابنها ناصر المهاجر إلى استراليا منذ خمسة أعوام، يوم عرفة أسوأ أيام إبليس في الدنيا، من هنا أدعو الخالق عز وجل مثل ما أخزاه أن يخزي أبالسة البشر وهم كثر، والمتطرفين منهم في العراق وغيره بأي رداء ظهروا ويعيد الاستقرار.
الصحف تفوقت على القنوات في نقل هذا الموسم، أما في الجانب الرسمي، فهناك إشادة بالنقل الترددي بالحافلات ودوره في تسهيل الحركة، ويظهر لي أن حل شبكة سكة حديد صغيرة في المشاعر أفضل بكثير وأنظف وأكثر أماناً وأسهل إدارة، ضع في الحسبان أعداد تلك الحافلات وسائقيها والمساحة التي تحتلها، إضافة إلى صعوبة إدارتها، ومن حج يعلم تأخر الوصول إلى مزدلفة ومعاناة البشر داخل المركبات، وفي الحج صور سلبية كثيرة، أصحاب الإعاقات المتسولين وعصابات السرقة والنشل وحملات الحج الوهمية أو سيئة الخدمة، التي لن يوقف أصحابها عند حدهم إلا التشهير بالصور والأسماء مع الغرامات الكبيرة… أما التهديد والوعيد وحفظ العقوبات في الأدراج فهو يفرخ المواليد كل عام من حملات “النصب”.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.