صديقي يشكو من تدهور في الذاكرة، قال له أحدهم، إن كثرة استخدام الهاتف الجوال تمسح الذاكرة! لا أستطيع تأكيد أو نفي ذلك، المؤكد أن كثرة استخدام الهاتف الجوال تصيبك بالصداع… وتنشف الريق، لم نكن بحاجة إلى حملات الترغيب في كثرة الحديث من شركات الاتصال، من دون تلك الحملات يمكن للمرء أن يقول (بفم مليان) إن لدينا إدماناً لكثرة الكلام! بعض منا لا قدرة له على الاختصار، ثم تذكر سمات مجتمعية مثل كثرة السؤال عن الصحة «وشلونكم» بشكل يوحي، من كثرة التكرار بأنها اسطوانة انثلمت، الدليل أن السائل غالباً لا ينتظر الإجابة بل يواصل «النشدة»، أي طرح الأسئلة.
الواقع يقول إن كثيراً منا استغنى عن الهاتف الثابت اللهم إلا في العمل، في حين أصبح الجوال هاتفاً ثابتاً بالجيب، وهناك خدمة في بعض هواتف الجوال تعطيك مدة المكالمة بعد الانتهاء، إنها خدمة جيدة تتيح للإنسان محاسبة لسانه!
كنت أتمنى مثل كثير منكم أن يكون الهاتف الجوال، «كلمة ورد غطاها»، لكنه تحول في مجتمعنا إلى بديل لكل شيء، ومن أذى شركات الاتصالات أنها تستفيد من فترات خمول الاتصال بعد منتصف الليل بإرسال رسائلها الدعائية في اعتداء صارخ على راحة وخصوصية المستخدم، «قال من أمرك قال من نهاك»، بل يمكن لك توقع مشكلات أسرية كثيرة بسبب ذلك التمدد الاتصالي غير المقنن، فليست هناك قيمة للخصوصية.
شركات الاتصالات ليست بحاجة إلى حملات الترغيب في كثرة الاستخدام، خيالي يقول لي إن ألسنتنا أصبحت مربوطة بالأبراج، كل برج يسلم اللسان لبرج آخر، فإذا تعبت ألسنتنا تم اللجوء إلى الرسائل، وانظر أحياناً لهاتفي الجوال وأفكر في دسه تحت إطار السيارة ثم أتذكر… ربما تكون هناك حاجة ماسة، وأغبط من لم يتورط فيه حتى الآن وهم قلة، صار استخدامه عادة من العادات، وإذا لم يرن فهناك مشكلة!
ضمن الخدمات في جهاز الجوال خدمة وضع الخط على المشغول، بحيث يعلم المتصل انك تتحدث إلى آخر أو وضع الانتظار، لكن في كلتا الحالتين يريد المتصل المنتظر وبإلحاح معرفة «وش فيك!».
وأحاول جاهداً أن اقلل من استخدام الهاتف الجوال، انجح أحياناً وأخفق غالباً، فهو يأكل دماغك من حيث لا تشعر، ربما يكون هو احد أسباب دوران الشباب في الشوارع، يأتيه اتصال فيغير خط سيره ثم آخر ليغيره مرة أخرى، بل أصبح من النادر ان تجد سائقاً يقود مركبته من دون أن يكون في حال اتصال، تراه «منعفطاً» باتجاه أذنه اليسرى، فيحب الانعطاف يساراً، حتى لو كانت الإشارة إلى اليمين، ربما يكتب رسالة وهو مسرع، ولا يعلم أن هناك آخرين ماتوا وهم لم يكملوا رسائلهم… الحادثة لا تحتاج إلا إلى لحظة واحدة.