(«معليش»)

تسمعها وأسمعها كثيراً «معليش»، قد تكون من أكثر الكلمات تداولاً في المجتمعات العربية، تزيد حرفاً أو تنقص هنا أو هناك، فيقول بعضهم «معليه». يختلف بعض عن آخر في نطقها، إلا أن لها هدفاً واحداً هو الاعتذار عن خطأ وقع، قد يكون خطأ بسيطاً حدث سهواً، ولا يمنع أن يكون كبيراً متعمداً، وهي لا ترقى إلى مستوى «آسف» وإن كان قائلها يريد بها التأسف، إنما كثرة الاستخدام مصحوبة بتعابير الوجهة أو لغة الجسد جعلتها كلمة تأسف مبهمة، لأنها بعد التدقيق بحثاً عن حقيقة معناها وأصلها تجدها حاصل جمع أو دمج «مع وليش»، كأنه دمج أضداد، لأن «ليش أو ليه» تقابل «لماذا» بالفصيح، والمنطق ألاّ يقولها المخطئ، بل من وقع عليه الخطأ عندما يرفع صوته محتجاً، لأن «الليش» أو السبب متوافر، كما يفترض، لدى مقترف الخطأ، فهو سبب حصوله، لكنه بالاعتذار قائلاً «معليش» مثل من يخطئ عليك ويطالبك بالسبب… كأنك هو!

يركن أحدهم سيارته بالعرض خلف سيارتك ويصل متأخراً ويرى «أمارات» الاحتجاج على وجهك، يغتصب ابتسامة ويقول: «معليش»، ربما يلوّح بيده زيادة في الكيل. يسرع آخر بسيارته وسط بركة من مياه الصرف الصحي فتستحم أنت ومن معك ويلوّح لك قائلاً «معليش». لو أخبرك شيئاً عن «الليش» ربما تسامحه من سويداء قلبك، يحشر ثالث نفسه في مقدم الطابور أو «يدفرك» مهمهماً «معليش»، ويجب أن تقبل. قبولك أمر مفروغ منه حيث قدّم الثمن بالـ «معليش».

ولم أجد لها أصلاً في أكثر من معجم لغوي، فهي من العامية السائدة، ربما من كثرة أخطائنا مع بعضنا البعض، أصبحت النقد الوحيد المتداول للاعتذار بين الأفراد، يقولها لك سائق كاد بلحظة ينهي حياتك، أو موظف يبرر عدم إنهاء حاجتك مع لزوم عودتك بعد أسبوع، أو عامل صيانة تأخر عن موعده و «لطعك» ساعات تنتظر، حتى العمالة الآسيوية الأعجمية أصبحت تستخدمها فتأتي عند النطق مثل «الهلام» لا يمكن لملمته لتدوينه هنا.

»معليش» المتداولة وسط الشعوب العربية كلمة للاعتذار بحكم «وضع اللسان» على وزن وضع اليد أصبحت مقبولة فهي تؤدي إلى النتيجة المطلوبة، ليبتلع من وقع الخطأ عليه انزعاجه ويكف عن الاحتجاج، ويكون البحث عن الأسباب من نصيبه وواجبه «مع… ليش» وفي المعنى هي لا تقول: «مشّي حالك» أو «هوّنْها وتهون»، بل تقول بملء الفم: «ما علينا» وفي رواية: «ما عَلَيْ مِنْك» في ترجمة للتعامل السلبي المستشري بين الأفراد وغمط بعضهم لحقوق آخرين، لكنني مع ذلك لاحظت أن «معليش» لا تستخدم من بعض الحكومات العربية مع قربها من شعوبها وعلى رغم إخفاقات تحتاج إلى أطنان من «معليش».

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.