تداخلات تنتظر «مبادرات»

طالعت صورة لوزير النقل وهو يتفقد سير العمل بمشروع الضلع الشمالي الغربي في الرياض. تذكرت عندها «علة» مخرج 15 في الدائري الشرقي، وهي علة جديدة، إذ كان طريقاً عادياً ثم تم تطويره. وهو أمر طيب ومشكور ومحمود، ليصبح سريعاً كحد السكين. المشاة المساكين ما زالوا على عادتهم القديمة، يقطع الواحد منهم طريقاً تعوَّد عليه لسنوات طويلة، والنتيجة حوادث دهس مفجعة. المطلوب سرعة إنشاء جسر للمشاة، ووضع سور لمنعهم من قطع رقابهم، إنهم في ذمتكم.
هذا نموذج للتداخلات في الاختصاصات أو نطاق الصلاحية والإشراف. بعد السؤال علمت أن هذا الجزء لا يتبع للبلديات، بل لوزارة النقل. هناك أكثر من طريق داخل مدينة الرياض جزء منه يتبع البلديات، والآخر وزارة النقل. أجزاء من طريق الملك فهد، جسر الخليح، كنماذج. لا بد من أن مدناً أخرى تعيش الوضع نفسه. بدأت بالطرق للخطورة، وضحايا أبرياء، مع بطء عهدناه من الجهاز البيروقراطي، إنما التداخلات في الصلاحيات كثيرة ومتشعبة وهي توفر مساحة ضبابية لرمي المسؤوليات، كل جهة على الجهة الأخرى. أيضاً هي توفر ثغرات في الأنظمة تتيح لمن يريد النفاذ أو التسيب تحقيق غايته، هي مثل عمود مائل يستند إليه الموظف البيروقراطي عاملاً بالمرجع الشهير للعمل الوظيفي: «لا تحرك تبلش».
آتي بأمثلة حاضرة بدلاً من التعميم الذي لا يحقق غاية المقال:
– في تراخيص العيادات البيطرية، ونحن على هامش أنفلونزا الطيور، هناك تداخلات في الصلاحيات وعدم وضوح رؤية بين وزارة الزراعة والبلديات.
– في إصدار الشهادات الصحية للعاملين تداخل بين وزارة الصحة والبلديات، خصوصاً ما يتعلق بالعاملين في المنشآت الغذائية، خذ نموذجاً قصة العامل المصاب بالإيدز «أخيراً» والذي حمّلت كل جهة مسؤوليته للأخرى وهي نموذج ممتاز للعقلية البيروقراطية.
– في تراخيص «مصانع» أو «معامل» (ما الفرق؟) المياه، تداخل بين وزارتي المياه والصناعة والبلديات؟
– في قضايا الغش التجاري تداخل بين البلديات ووزارة التجارة.
– في الشروط بين تراخيص الاستثمار الأجنبي والمحلي ضبابية واختلاف واضح.
هذه أمثلة، وما لدى العارفين داخل الجهاز الحكومي أكثر، والحاجة ماسة لإصلاح هذه التداخلات، بما يحقق انسيابية في الإجراءات، ووضوحاً في المسؤوليات الرقابية تسهم في تحقيق الأهداف العليا.
والحلول ليست صعبة، وهي مناسبة لأن أدعو الله تعالى إلى أن يوفق الرئيس الجديد لهيئة الخبراء في مجلس الوزراء الأستاذ عصام بن سعد بن سعيد في مهمته الجديدة، ومعها دعوة للمبادرة والنظر بهذه التداخلات، لأنها أسهمت في كثير من السلبيات التي قد لا تحصى… خصوصاًً أن احدى مهمات هيئة الخبراء «مراجعة الأنظمة السارية واقتراح تعديلها»، ولا بد من التأكد الميداني من قدرة الجهة المعنية على القيام بالمهمة على الوجه الأفضل قبل إيكالها لها، والتاريخ العملي مرجع ثري.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.