مسارات الاستثمار

أصبح لدينا أكثر من مسار استثماري، الأول، أو المسار الصعب، شبيه بطريق قديم متهالك تكثر فيه المطبات الاصطناعية، ولا يخلو من مطبات هوائية ولوجستية و «فسوحاتية». بقي هذا الاستثمار المحلي الداخلي الذي يفترض أن يوظِّف رؤوس الأموال المحلية الصغيرة، ويوفر فرصاً للجيل الصاعد على حاله البيروقراطية القديمة. في حين انطلق مسار آخر استخدمت فيه كلمة الجذب. ولأجل الجذب تم تعبيد الطرق، فأصبحت سريعة بمسارات متعددة، وبقدرة قادر أصبح الصعب هناك سهلاً ميسراً هنا، من التراخيص إلى التأشيرات، فهل هناك سياستان استثماريتان في بلادنا؟ الواقع يقول نعم.
جذب الاستثمار الأجنبي مطلوب، ليس للتفاخر بأرقامه والتغني بشهادات خارجية عن موقع في تقويم يذكرنا بسوق الأسهم عندما تم التفاخر بكبرها وعظمتها التي أكل لحمها، بل في جدواها التنموية. من الغريب أن يفتح الباب على مصراعيه، فيتم اعتبار كل عمل استثماري يستحق الجذب فيُحتفى به عند الإعلان عن أرقام مجمعة لا تظهر التفاصيل خروقاتها.
لا يعقل أن يتم الترخيص للاستثمار الأجنبي في قطاعات خدمية بسيطة لا تقدم شيئاً يذكر للاقتصاد الوطني ولا للناتج المحلي، ولا توفر وظيفة مستحقة لشاب. إن تكبير الأرقام بهذا الأسلوب لا يمثل سوى فقاعة كبيرة جديدة، وإن استطاعت استمالة بعض وسائل الإعلام بالإعلان! والضرر الناتج على أصحاب المنشآت الصغيرة واضح للعيان… وهو ضرر يكبر كل يوم، لأنه يفقد هؤلاء مصادر يعيشون من دخولها بكرامة.
الزميل «المقل» جميل فارسي كتب في صحيفة «المدينة» مقالاً جميلاً عن الصائغ «شاليطه»، وكيف أصبح «الصبي» مستثمراً، في حين صار صاحب العمل بائعاً للبليلة، والأمر لا ينحصر في الصاغة أو الورش، بل تعدى ذلك إلى نشاطات تجارية مثيرة للدهشة.
والمستثمر فهد الظويهر قال في صحيفة «الرياض» إن خروقات نظام استثمار رأس المال الأجنبي حولت العمالة إلى مستثمرين! وهو مُحِقٌ. وردُّ الهيئة على كلامه ضعيف ولا يقنع أحداً. وهناك أمثلة «استثمارية» أخرى تشير إلى فقدان هيئة الاستثمار للنوعية، وتركيزها على الكم، وابتعادها عن التفاصيل، فلا يشار إلى القطاعات أو الجدوى الاقتصادية… لأنها – في ما يبدو – تضر بنهجها الإعلامي.
إن النشاطات الصغيرة رافد مهم للاقتصاد وفتح الفرص للشرائح الأقل دخلاً، لكنها في انحسار وسط موجات التراخيص العمياء، وتأشيرات غير مفهومة يتجول بها بعض من يدعي الاستثمار، ويسهل حصولهم عليها، في حين يتعذب المستثمر المحلي للحصول ولو على تأشيرة زيارة، كأننا نعيش حالة «توظيف» الاستثمار مثلما عشنا «توظيف الأموال»!
هيئة الاستثمار مطالبة بإعادة النظر في مثل هذه التراخيص وإعادة فحصها، لمعرفة جدواها وآثارها السلبية الواضحة لكل مخلص. فليس من العيب أن نخطئ، لكن كل العيب أن نكابر.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.