تجفيف منابع التسوّل

كانت خطبة صلاة الجمعة عن معاناة الإخوة الفلسطينيين في غزة من الحصار الصهيوني الظالم. بعد الصلاة وقف رجل، ليتحدث بصوت جهوري واثق، فأثنى على الخطبة والبلاد التي تهتم بكل شقيق وصديق وأبنائها الذين يسارعون للخير، كان الرجل مفوهاً مسهباً، ثم فاجأ المتحدث الجميع بطلب التبرع له لأنه في حال صعبة، وعدّد أشكالاً من صور المعاناة التي قال انه يعيشها.
الحقيقة أني أعجبت بالقدرة على ركوب الموجة، كان الاتجاه العاطفي الصادق إلى المحاصرين في غزة، فركب الرجل الموجة ثم وجهها لشأنه الخاص ليجلس على أعتاب باب المسجد منتظراً «المحصول».
الله اعلم بحال ذلك المتسوّل المفوّه، صادقاً كان في شرح حاله أو غير ذلك، وأدعو له وللجميع بوافر فضل الحنّان المنان… رزقاً حلالاً نظيفاً لا ينزع من الوجه قطعة جلد، إلا أننا ما زلنا في المساجد لا نرى أثراً لإمام ولا لمؤذن في التأكد من حقيقة من يدعي حاجة، وكأن المساجد من غير إدارة وإشراف.
لكن ما سيأتي ذكره تالياً موقف مغاير، فيه شعور بالمسؤولية من مواطن غيور… نموذجي.
في مسجد آخر شرق الرياض وبعد صلاة العشاء وقف متسوّل عارضاً حاجته ملوحاً بتقارير مستشفى. مشهد مألوف يكاد يصبح جزءاً من أعمدة المساجد، بعد أن أنهى المتسوّل كلامه توجه ليغادر، عندها وقف احد المصلين وأمسك بيد المتسول وبصوت عال طلب منه إثبات هويته، تمتم المتسول بكلمات غير مفهومة ألحقه الرجل بالسؤال الآتي: ارني تقريرك أو صكك، فألقى نظرة عليه ثم قال للمصلين، «يا جماعة هذه صورة تقرير مستشفى والختم عبارة عن خربشات باللون الأزرق».
ترك الرجل يد المتسول لينسل وسط الزحام بسرعة، وتوجه بالحديث للمصلين قائلاً: لست موظفاً في مكافحة التسول ولا مسؤولاً أمنياً، أنا مواطن عادي مثلكم، تأزمت حالي النفسية من مشاهد النصب والاحتيال من هؤلاء الذي يستخفون بعقولنا ويتعاملون معنا كأطفال أو سذج، أرجوكم كل الرجاء لا تكتفوا بهز الرؤوس والانصراف، ولا تنفقوا مالاً على هؤلاء، ولا تمنحوهم الثقة العمياء، إن كنتم تريدون الخير فعلاً فاطلبوا هوياتهم وأوراقهم، وأضمن أنكم ستكتشفون الخدعة خلال اقل من دقيقة، لنضع حداً للضحك على الذقون. ثم التفت الرجل إلى إمام المسجد وقال: لن نقطع حبل الخير والصدقة، لكننا نرجو منكم أن تطلبوا من هؤلاء أن يقدموا إثباتاتهم وتقاريرهم لكم أولاً لتتأكدوا، قبل أن يستغلوا المساجد والمصلين في الكسب غير المشروع.
انتهى الموقف النموذجي، فهل رأى أحد منكم دوراً لوزارة الشؤون الإسلامية، في مكافحة التسول والنصّابين، وكأن إجراء مثل ذاك يحتاج إلى اختراع! لكن الأصل أن التسوّل ممنوع فلماذا لا يمنع في المساجد؟ هل هناك «وقفة نفس» بين الشؤون الاجتماعية والشؤون الإسلامية؟!

 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على تجفيف منابع التسوّل

  1. خالد كتب:

    يا عزيزي
    لم أعد أرى أي دور لأئمة المساجد سوى التدرع بدرع العبوس والكمبودي
    أين ذهبت الرحمة والحب
    أنا أفضل شيخ طاعن في السن يكون إماما على علاته من شاب مشغول بأنواع الكمبودي وطموحه جامع على شارعين !
    الدور الأكبر على إمام المسجد الذي أصبح موظفاً فقط …نعم موظف يأتي متأخراً ويغيب كثيراً

  2. نوران كتب:

    الاشراف والتنسيق نلقاة قليل من جهات حكومية المفروض التعاون يكون بينها واضح كل جهة تقول هذي مو من صلاحياتي وهذا بلانا من طول السنين تخبط وعدم تنسيق واجتهادات من اناس فيهم الخير حتى لا يكون المعروف منحصر والتسول في بلادنا منتشر
    يوجد اناس بحاجة ماسه لكن عزة النفس تجعل معاناتهم غير واضحة
    اتذكر مقال لك في رمضان تناولت هذا الموضوع في مقال من مقالتك ولكن لا حراك
    اسأل الله لك التوفيق وان يكون بعون المسلمين
    فقد اصبح الحديث متاح ولكن لا نجد سامع ولا للوضع الحالي متابع

التعليقات مغلقة.