تصفّح

البعض يلاحظ أن الصحيفة أو الكتاب في يد الأخر يصبح لها طعم آخر، خصوصاً إذا كان الآخر منهمكاً في التصفّح. خذ مثلاً في صالة انتظار تتوافر نسخة من صحيفة قديمة تتناولها فيسترق النظر مَنْ بجانبك بين فينة وأخرى إليها، ربما يكون هذا أنا أو أنت فهو أمر شبه شائع، هل لأن شخصاً آخر يحملها؟ أم لأنها بين يديه ترتفع قيمتها؟ أم أنه الفراغ وانشغال بالآخرين؟
ربما تكون مثل هذه المواقف السلوكية المتكررة البسيطة نموذجاً للجوع، وتوقاً إلى ما في  أيدي الآخرين، حتى ولو كان شيئاً غير نفيس بل غرض كان بين أيدينا و»مصمصناه» حتى العظم، لكنه يصبح مشوّقاً عند انتقاله إلى يدٍ أخرى، ربما لأن تلك اليد استثمرته في موقعه الصحيح، أو أنها هي من تحمّل الجهد إن كان هناك جهد يذكر.
العسير على الفهم هنا أن نسخة الصحيفة – النموذج – كانت متاحة للكل ولا أحد يتناولها، وعندما يأتي من يتناولها يتلصص عليه البعض كأنها فرصة مشاعة لا يصبح لها قيمة إلا عند فواتها.
يختلف الناس في ردّ الفعل، بعض منهم يرتب نسخة الصحيفة ويقدّمها لك وفي دواخل النفس استياء من الحشريّة، وبعض آخر يقسمها قسمين، لكن القسم الذي سيحتفظ به يتحوّل إلى الأكثر لفتاً للنظر!.
أعتقد أن بين أيدينا الكثير مما لا يتوافر لآخرين، لكن الغالبية منّا لا تراه، إذ أصبح في الحضن وصار من القديم، لا يتجدد ويتطاير عنه الغبار إلا بعد مشاهدته من بعد في حوزة شخص آخر!. أما إذا كان البديل في صالات الانتظار هو تصفّح وتفحّص الوجوه –  شفاحة فضولاً – سلبياً  مزعجاً فإن التلصص على جريدة في يد آخر يعتبر سلوكاً راقياً.

منذ زمن أصبحت الكنية في مجتمعنا بديلاً من الإسم، بخاصة في المراسلات الصحافية، وعندما وفد الإنترنت ومنتدياته، صارت لها سوق أكبر وأهم وأكثر تأثيراً. بيان وزارة الداخلية الأخير عن بعض مستغلي الإنترنت لتوريط الشباب والتغرير بهم للسفر إلى مواقع الفتن ليتحوّلوا إلى سلعة رخيصة وحطب للإرهاب، أظهر أن الشخص الواحد من هؤلاء يكتب بأكثر من «معرّف» أو اسم، وهو أمر معروف لكن فَضْحَه وكَشْفَه ببيان رسمي وبالأسماء سيكون له أثر أكبر، نستفيد من ذلك أموراً عدة منها: أن كثرة التعليقات والإشادة والتشجيع  لا تدلّ على صحة التوجّه وأن اختيار الأسماء والكنى لا يعني مضامينها، فالمجاهد في الشيشان مثلاً هو قابع وراء «كي بورد في غرفة مكيّفة»، قد لا يستطيع التفريق بين شوشته والشيشان، لكن لا مانع لديه من أن «ينتدبك» أو ابنك بكلمات وتمنيات للذهاب إلى الجحيم.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليقان على تصفّح

  1. صلاح السعدى محمود كتب:

    حياك الله. أبو أحمد
    هو صحيح فى مثل مصرى يقول ألقمة فى أيد اليتيم عجبة يعنى بدون تقريبآ حلوة هى فعلآ
    نقدر نقول أنها ظاهرة مبتدعة ونلاحظها أكثر شيوعآ فى المواصلات مثل القطارات أو مترو
    الأنفاق فى مصر أوفى الأتوبيسات عموم المواصلات بأختصار ولئنى لاأجد هنا أختصارآ
    حيث أننى فسرت المفردات تمامآ هذا يرجع أعتقد لطول فترة الأنتظار كما وضحتم سعادتكم
    والملل من أذدحام الكرة الأرضية بالبشرية والأنشغال بالحياة الدنياوية خاصتآ ونحن شعوب
    تجيد التقليد عندما نرى شخص ينظر إلى شخص أخر يمتلك جريدة فى يده أو كتيب أو حتى
    بحث وهو ذاهب إلى بعض المراكز العلمية ننظر مثله حتى ولولانقرأ بل نبحلق وبس هنا
    نشغل من تصادف وجوده أمامنا ومعه صحيفة فى يده حقيقى كان الله فى عون هذا الشخص..
    الله يعطيك ألف عافية أستاذى الحبيب والغالى.سلمت يمناك. أكثرمن رائع::

  2. صالح الجابري كتب:

    اخي عبد العزيز شهر مبارك وكل عام وانتم بخير انت والعمود والحياة وأهلها وقرائها…أنا مصاب بداء الجريده اللي تقول عليه ويقتلني الملل والانتظار بدون جريده او كتاب وخاصة في صالات السفر والانتظار..لكن مع التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات يصبح الامر سهلا…بكبسة زر الجوال انتبه…ما هو كيس رز ولاكبسة رز …آخر كيس اشتريته 10كلجم بنجابي المهيدب ب98ريال نلقطه حبه حبه لآخر حبه حتى اللي يطيح عالسفره نلقطه بالعيدان ماتعرف مدرسه والا معهد يدرس اولادي طريق الاكل بالعيدان….نعود لداء الجريده قراءة الحياه من النت كأنك تمسك ورد صناعي وتشمه…وقراءة الكتاب من النت ومطاعة المناظر الطبيعيه والصور كأنك تشاهد اشجار الحديقه المطلي سيقانها ببويه ابيض أو أخضر..مايقطع الخرمه الا ريح الورق سوى بالجريده والابالكتاب …وفوق السرير أيضا00مامر عليك والا شفت شي شاشة مزيونه وجربت تقليبها وتقبيلها في السرير…علمني ياخوي تراني احب القراءه بالحيل …بس بعد تعب الشغل طول النهار عاهالكرسي ..ونروح البيت لكرسي ….بغيت أسألك عاسالفة الجريده هل تحب تقرأ جريده بعد واحد قد قراها قبلك ..وخصوصا اذا شريتها من البقاله…ولقيت واحد قبلك قد قلبها من آخرها لاولها والعكس ياخوي والله نفسي تعافها…واني اروح أدور وحده بشدها …تحياتي …أبا أسامه الجابري…العفو…

التعليقات مغلقة.