«إكسبريسو» الشمال

إعادة ترتيب النوم والاستيقاظ هو الشغل الشاغل للكثير ممن صام شهر رمضان المبارك، وجعل ليله نهاراً ونهاره ليلاً… حتى من لا يرغب في ذلك الخلط سيجبره من حوله عليه، والنوم مع الجماعة ولا الوحدة، ومع زيادة جرعة إجازة العيد هذا العام يتوقّع أن يستمر الوضع على ما هو عليه لوقت أطول.
 في السابق كانت ساعات اليد والمنبّهات القديمة «تتعشى»، يعشيها صاحبها، إذا تذكّر… بإدارة «الزنبرك» وملئها بطاقة الحركة، إذا لم «تتعشى»… تجوع و «يتلخبط» التوقيت، الآن الساعات متوافرة بكل نوع من أنواع الطاقة، من البطاريات طويلة الأجل، إلى حركة اليد وحتى الإضاءة، كلها «تعشي» الساعة بوجبات جاهزة! والساعة البيولوجية في الواقع مستمرة في أكل الوقت الذي هو العمر.
في رمضان يشعر الناس إحساساً ضاغطاً بالوقت بصورة استثنائية. مع بروز محطات المغرب والفجر، أطلقوا على شهر شعبان الشهر «القصير»، وما إن يطل رمضان حتى يفجعوا بانسياب أيامه من بين أيديهم بعد خلط الليل بالنهار وتلاشي حدّ فاصل، حتى يبدو لنا أنه أقصر من غيره… مع أن الوقت هو الوقت، وعندما يطلّ العيد السعيد نريد أن نعيد الأمور إلى نصابها وتبدأ الساعة البيولوجية باللهاث بين عادة ومحاولة استعادة.
صديقي الشمالي يصرّ على تقديم القهوة المرّة السوداء، يسميها ضاحكاً «إكسبريسو الشمال»، وهي أكثر ثقلاً من القهوة النجدية، تحمّص حبيبات القهوة فوق العادة لتتحول إلى لون أقرب إلى الأسود أو هو الأسود بعينه، رشفة واحدة  من قعر «الفنجال» الصغير تكفي لإطلاق صفارات الإنذار في جهازك العصبي، أما إذا حرصت على فنجال آخر مجاملة للمضيف واستجابة لإلحاح معهود فلا تستغرب أن تبرز لك قرون استشعار وتجحظ عيناك، ثم تبدأ أطرافك بالحركة لا إرادياً. إذا ارتشفتها بعد المغرب يمكنك أن تودّع النوم تلك الليلة، فنجال من هذه القهوة المرة هو الأنسب الآن لتعديل الساعة البيولوجية… الأخيرة مرتبطة بالنور والظلام ونحن خلطناهما في رمضان فأصبح الوقت رمادياً، كلما نعستَ في النهار خذ رشفة واحدة لاغير… لكن تذكّر أن فنجالاً واحد يكفيك، وإذا أصرّ من بيده الدلة على فنجال آخر تكريماً لك… أنصحك بأن تخبئ الفنجال في جيبك… قل إنه ضاع.